الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تمثل صناعة الدواء قيمة قومية لدى الدول المتقدمة في هكذا صناعات لما يشكله هذا الجانب من حفاظ على صحة مجتمعاتهم فضلاً عن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق أهداف الأمن الدوائي. وصناعة الدواء ليست ابتكاراً بحتاً وليد الصُدفة لمعمل منعزل بقدر ما هي عليه من مخرجات لمشاريع بحثية علمية مدعومة من الحكومات.
لذا كانت مراكز الأبحاث الدوائية والدعم الحكومي المادي واللوجستي لبِنات الأساس لهذه الصناعة وخيار حتمي لتشجيع الاستثمار في تصنيع الدواء سواء كان للأدوية الجنيسة (الأدوية التي خرجت من دائرة حقوق الملكية الفكرية وأصبح من الممكن لأي شركة أن تقوم بصناعتها بأسماء مختلفة) أو صناعة الأدوية المبتكرة والتي تكون خاضعة لحقوق الملكية الفكرية بحيث لا يحق لأي جهة تحت أي صفة تصنيعها أو بيعها لفترات زمنية طويلة المدى ابتداء من تأريخ تسجيلها.
وفي ظل انخفاض عدد مراكز الأبحاث الدوائية الوطنية وقلة جودة مُخرجاتها المبتكرة في مجال اكتشاف وتطوير الأدوية، بالإضافة إلى رغبة الشركات متعددة الجنسيات في بناء مصانعها لتكون السعودية بلد المنشأ لأدويتهم؛ ستواجه صناعة الأدوية محلياً تراجعاً على المدى البعيد كنتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة لرفع الدعم الحكومي وزيادة الضرائب وربما قد تضطر بعض الشركات إلى الاندماج لمواجهة التكلفة والمنافسة السوقية، ومن جهة أخرى سيستمر استيراد الأدوية وقد يزداد، لنجد أننا نبتعد بخطواتنا عن تحقيق مفهوم الأمن الدوائي.
للهند تجربة ثرية في هذا المجال، فعندما أعلنت الهند سياستها الوطنية في تحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الأدوية في عام ١٩٥٨ م ارتفع عدد الأدوية المُصّنعة بتسارع وفق الاستراتيجيات المخطط لها، لكن انضمامهم لقوانين الملكية الفكرية في عام ١٩٧٠ م وتقيدهم بشروط التجارة العالمية قد حد من الحلم الدوائي الوطني، إلا أنهم عادوا أقوى من ذي قبل وذلك بفضل اعتماد الحكومة الهندية إنشاء المختبر المركزي لأبحاث الدواء Central Drug Research Laboratory CDRL في مدينة لاكناو، ليس هذا فحسب، بل أنشأت المختبرات الكيميائية الدوائية في مدينة بيون وكذلك المؤسسة الهندية للتكنولوجيا الكيميائية Indian Institute of Chemical Technology IICTفي مدينة حيدرأباد. وذلك لمساعدة شركات الأدوية المحلية على الاستمرار ومواكبة الشركات العالمية.
فهذه المراكز قد ساعدت على تقليص الفجوة الكبيرة بينها وبين الشركات العالمية وتم تسجيل كثير من براءات الاختراع سواءً في مجال المواد الخام، أو طرق تصنيع الأدوية وتقنياتها، مما ساهم في استمرار ونمو هذه الصناعة في الهند، واليوم يوجد فيها ما يربو على ٤٦٠٠ مصنعاً للأدوية ما بين مواد فعالة (Active Pharmaceutical Ingredients) ومنتجات نهائية للدواء(Finished Products، لتحتل المركز الثالث عالمياً في مجال صناعة الدواء، وهذا أيضاً ساهم في بناء قدرة بشرية هائلة من الباحثين والفنيين والعمالة المدربة، لتشكل الهند إلى جانب الصين، أكبر بنية تحتية لصناعة الدواء على المستوى العالمي.
قد يواجه استنساخ التجربة الهندية في الأمن الدوائي بعضاً من المصاعب كأي تحدٍ جديد على الساحة الصناعية، فمتسلق الجبال يواجه صعوبة الممارسة والجاذبية على حد سواء!
“والأمن الدوائي مستقبل حتمي بإذن الله”..
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال