الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ودعنا عاما منصرما بحلوه و مره. تأثرنا فيه بتبعات ما يحدث حولنا من حروب و نكسات اقتصادية عالمية. رأينا في هذه السنة أشخاصا يزدادون ثراءا و آخرين يقادون إلى السجون، عرفنا فيها كيانات لم نسمع بها من قبل، و أخرى تئن من الوضع الاقتصادي و آخرين قد اختفوا. و يجب أن يكون لنا في ذلك دروس و عبر، نتعلم منها لنصبح أفضل و أكثر حكمة و يقظة و استشرافا للمستقبل.
و لذلك يتحتم على الجميع أفرادا و مؤسسات و دول أن يراجع الكل نفسه، هل وضعنا الخطط في العام المنصرم؟ هل تم تنفيذها بالمدة الزمنية المحددة؟ ما مدى فاعلية تنفيذها؟ ما هي أسباب النجاح أو الفشل؟ ما الفرص التي أتيحت و لم تستغل؟ كيف خطط الآخرون و نفذوا و نجحوا؟ كيف فشل البعض الآخر؟… أسئلة كثيرة يجب أن تتوارد في أذهان الجميع. و في هذه الأيام فرصة لمراجعة الذات أو الأداء المؤسسي لتحسين التخطيط الاستراتيجي للمرحلة المقبلة.
يذكر (سن تزو) في كتابه “فن الحرب” بأن “الجميع يرى كيف يتم الفوز بالمعركة، لكن ما لا يرونه هو القائمة الطويلة من الخطط التي سبقت المعركة و أدت إلى هذا النصر”، و في ذلك دلالة على أهمية التخطيط الاستراتيجي.
تكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي بأنه يحدد الوضع القائم و الحالة المراد الوصول إليها، يضع خارطة طريق لتنفيذ الرؤية و الرسالة للمنشأة، و تركيز جميع فرق العمل و موائمتهم لتنفيذ الأهداف، و تحديد الأولويات، و معرفة الموارد المتطلبة، و إدارة الأزمات في حال حدوثها، و معرفة مراكز القوة و نقاط الضعف و الفرص المتاحة، كما يهدف إلى مساعدة المنشأة على الاستباقية في تحديد و معالجة المخاطر سواءا الداخلية منها أو الخارجية لمواجهة التحديات.
و لا يختص التخطيط الاستراتيجي بالدول أو الشركات الكبيرة فحسب، بل يمتد تطبيقه في المنشآت الصغيرة أو بطريقة فردية. فالمسؤول الأول عن وضع الخطط في المنشأة هي القيادة، و أنت المسؤول الأول و الأخير عن وضع و نجاح أو فشل خططك الشخصية. و قد يبدو التخطيط من الوهلة الأولى أنه أمرا بسيطا يسهل تنفيذه، لكنه يزداد تفصيلا و تعقيدا كلما كبرت الجهة المنفذة لهذا التخطيط كما في اتخاذ قرار في منظمات دولية.
يطرح تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي المنشور في 14 ديسمبر 2016 عن “حالة العالم في 2017″، صورة غير متفائلة! فلا يتوقع أن يتجاوز نمو الاقتصاد العالمي 4%، و ذلك بسبب بقاء البرامج الاقتصادية لبعض الدول دون تغيير يذكر، و انتظار نتائج الانتخابات في دول أخرى. و لن يتجاوز نمو قطاع التجارة العالمي 3%، و ذلك بسبب الطفرة التكنولوجية التي أدت إلى الاستغناء عن الكثير من العمالة، و الضغوط التي تواجه منظمة التجارة العالمية، و العوامل السياسية. و من المتوقع أيضا ألا يتجاوز متوسط أسعار خام برنت 60 دولار، و في ذلك ضغط على الدول المصدرة للنفط مما سينتج عنه خفض للإنفاق الحكومي. و ستكون أوروبا مصدرا لعدد من المخاطر المالية و الاقتصادية على العالم، و ذلك بسبب تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مما أثر سلبا على القطاع المصرفي، و في ذلك ارتدادات سلبية على المصارف العالمية و الأسواق الناشئة و المستثمرين.
و في ظل هذا الوضع الاقتصادي الراهن و التقديرات الغير متفائلة في المستقبل، تزداد الحاجة إلى المبادرات و الحلول الخلاقة و المميزة الفردية منها أو المؤسسية، و اقتناص الفرص عند وضع الخطط الاستراتيجية.
أحد الأمور المهمة التي يجب وضعها في الحسبان عند وضع الاستراتيجية، هي الميزة التنافسية. يقول (جاك ولش) وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة (جنرال إلكتريك) “إذا لم يكن لديك ميزة تنافسية، فلا تنافس”. كما يطرح كتاب “الميزة التنافسية” للمؤلف (هاريسون) في إحدى فصوله عن أهمية “ريادة الأعمال الاستراتيجية” كإحدى السبل المهمة في هذا الموضوع. يذكر أن الابتكار ذو أهمية قصوى في تعزيز الميزة التنافسية. ويتحقق الابتكار بثلاث طرق: الأول، الابتكار الداخلي و ذلك بتعزيز هذه الثقافة في بيئة العمل. الثاني، إنشاء التحالفات الاستراتيجية. الثالث، الاستحواذ على الشركات القائمة. و في كل من الثاني و الثالث فرصة للاستفادة من الموارد البشرية في تلك الشركات، و الحصول على تقنيات جديدة، كما تمكنها من الوصول إلى أكبر قدر من العملاء و الأسواق لتحقيق نمو أعلى.
و في فكرة أخرى، يشير كتاب “استراتيجية المحيط الأزرق” إلى أنه يوجد نوعان من الأسواق هما: “المحيط الأحمر” و هي الأسواق التي فيها منافسة قوية و تحاول الشركات فيها أن تتفوق في الأداء على بعضها البعض، إلا أن ذلك يؤثر سلبا على تحقيق الأرباح و النمو. أما السوق الآخر فهو “المحيط الأزرق” و هو السوق الواسع و العميق – الذي لم يتم اكتشافه بعد – البعيد عن المنافسة، و القادر على خلق فرص جديدة بأفكار مبتكرة تؤدي إلى النمو و الربح. و في هذا حث على المبادرة و الابتكار و البحث عن الحلول الغير تقليدية.
و قد حثنا القرآن الكريم على التنافس و السعي طلبا للرزق، قال تعالى: “فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور”.
و في الختام، أدعو الله أن تكون هذه السنة سنة خير و رفعة و تميز، و يعم الأمن و السلام في كل مكان، و أن يحقق الجميع ما يتمنون.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال