الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يسود البيئة الاقتصادية صراع أزلي وقوده المنافسة بين ذوي المصالح المتعارضة، كالبائع والمشتري، وصاحب العمل والعامل، والتاجر والمستهلك. ويبلغ هذا الصراع ذروته في السوق المالية حيث يوجد مستثمر أو مودِّع أو مؤّمِّن من جهة، ومُدير من جهة أخرى.
وبناءً على قانون الغاب ونظرية (فرويد) فإن الطرف الأقوى هو الذي سيتغلب. ولهذا السبب طورت الدولة الحديثة أساليب لإدارة هذا التعارض وحماية الطرف الضعيف، من أهمها أسلوب التنظيم شبه القضائي، وذلك بتعيين الحكومة مجالس أو هيئات مستقلة ومُحايدة وشبه قضائية تعمل على تنظيم القطاعات الاقتصادية التي تتعارض فيها المصالح.
ومن أمثلتها في المملكة مجلس حماية المنافسة، وهيئة السوق المالية، وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، وهيئة الاتصالات. ولعل هيئة السوق المالية هي أكثرها أهمية لعدة أسباب من بينها أنها تُشرف على سوق تريليونية تنتظم مُدخرات الوطن بدءً من الحكومة وانتهاءً بصغار المستثمرين. وهذه السوق تشمل الطرح الأولي الذي يمثل قناة لحشد المدخرات وتوجيهها نحو بناء الاقتصاد الحقيقي، الصناعي والزراعي والخدمي. كما تشمل السوق الثانوي حيث يتبادل البائعون والمشترون الأوراق المالية بيعاً وشراءً بمعدلات فائقة السرعة، ترفع أقواماً وتُخفض آخرين في أجزاء من الثانية، وتمثل هدفاً مُغرياً للضواري واللصوص والجريمة المنظمة. هذه الأهمية الخاصة لهيئات السوق المالية أوجدت منظمة دولية مقرها أسبانيا، تنتظم أكثر من مائة دولة من بينها المملكة، تهدف إلى رسم معايير العمل لتلك الهيئات. ومن أهم تلك المعايير التي اعتمدتها المنظمة:
الاستقلالية؛ فقد دلت التجارب عبر ثمانون سنة من عمر أول هيئة من هذا النوع أن تلك الهيئات هدفاً مُغرياً للسيطرة عليها من قبل مجموعات المصالح، لحرفها عن مسارها التنظيمي المُحايد المُجرد نحو خدمة المصالح الخاصة، أو حتى إساءة استغلالها لتحقيق مصالح عامة على حساب المستثمرين. وقد أخذ نظام السوق المالية بأفضل المعايير العالمية في هذا السياق، فأوجد مجلساً لهيئة السوق يُعين بأمر ملكي لكي يكون مستقلاً وغير خاضع لأي جهة، ويتكون من خمسة من (المفوضين) المتفرغين، بمكافآت شهرية تتجاوز راتب الوزير؛ وأعطى النظام لهذا المجلس صلاحيات تنظيمية وشبه قضائية واسعة تقترب من صلاحيات السلطة التشريعية في الدولة مما أثار تساؤلات دستورية سبق أن أثير مثلها تماماً في أغلب دول العالم؛ ولكن للضرورات أحكامها.
وتكمن أهمية استقلالية الهيئة في إبعاد مُدخرات المستثمرين عن التجاذبات والمصالح، وتحقيق المرونة اللازمة في اتخاذ القرارات للتعامل مع التطورات المتسارعة في السوق المالية. وقد حققت الهيئة إنجازات غير مسبوقة خلال السنوات الأولى من إنشائها، وتفوقت المملكة في مجال تنظيم السوق المالية على دول إقليمية عديدة كانت قد سبقتها في إنشاء هيئات تنظيمية ولكن ليست بذات الاستقلالية التي تتمتع بها الهيئة السعودية.
والسبب في كتابة هذا المقال هو إلقاء الضوء على هذا الجانب الحيوي بعدما تردد من إشاعات تتعلق بدراسة تحويل مجلس هيئة السوق المالية إلى مجلس إدارة تقليدي، برئاسة وزير في الحكومة؛ مما يعني تجريد هيئة السوق المالية، والسوق المالية السعودية، من أهم وأغلى مكاسبها، وهو استقلالية الهيئة، وحياديتها، ومرونتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال