الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تناول الكثيرون معدلات استهلاك الطاقة في السعودية ومدى ارتفاعها مقارنة بالمتوسط العالمي حيث كان المؤشر المستخدم في هذه المقارنات هو “متوسط استهلاك الفرد” أي ببساطة إجمالي الاستهلاك مقسوماً على عدد السكان. وتناست الأكثرية مدى دقة وعدالة استخدام هذه المعادلة المعتادة “المتوسط للفرد” والتي تستخدم عادةً في احتساب متوسط دخل الفرد وهو المؤشر الذي يعرف الجميع أنه لا يعكس بعدالة الحالة الحقيقية.
لا مشكلة في محاولة فهم سلوكياتنا لتصحيح الأوضاع؛ ولكن الخطأ والمؤلم أن نربط كل مشاكلنا بمقاييس “المتوسط للفرد” دون النظر لمسألة ارتفاع استهلاك الطاقة من جذورها. ويمكن تلخيص المآخذ على الطرح الحالي لهذه القضية فيما يلي:
أولاً: أن أغلب استهلاك الطاقة محلياً يأتي من القطاعي الصناعي الذي لا يمكن قياسه وتقييمه من خلال “متوسط استهلاك الفرد”! حيث أن تركيبة الاستهلاك المحلي للطاقة هي التالية:
1- القطاع الصناعي: 42%.
2- قطاع النقل البري: 23%.
3- قطاع المباني (سكني/تجاري/حكومي): 23%.
4- قطاعات أخرى: 12%.
ثانياً: أن مقياس متوسط استهلاك الفرد يتأثر بمدى الكثافة السكانية (عدد السكان مقسوماً على مساحة الدولة)؛ وبالتالي فهو خطأ جسيم أن نفترض تساوي الكثافة السكانية لدولة شاسعة المساحات غير المستغلة بدولة ذات عدد سكان أكبر ومساحة جغرافية أصغر.
ثالثاً: لم يتم فصل استهلاك القطاع الصناعي ومقارنته بإنتاجية القطاع الصناعي أو إجمالي الناتج المحلي على الأقل لتحديد مدى جدوى كمية استهلاك القطاع الصناعي للطاقة، مع العلم أننا سندخل في متاهات كالقول بأن صناعاتنا مختلفة عن دول أخرى وأن الأمر يحتاج لتفصيل؛ ولكن أهلاً بالتفصيل والتحليل لتقييم مدى جدوى الاستهلاك الصناعي.
رابعاً: لم تحدد أرقام الاستهلاك المحلي إذا ما كانت شاملة لما يتم استهلاكه من الغاز الطبيعي كلقيم أو عنصر إنتاجي للصناعات البتروكيماوية لأن هذه الكميات لا تستهلك في إنتاج الطاقة بل لإنتاج مواد قابلة للبيع والتداول؛ وبالتالي فإن إدخالها في الحسابات سينتج عنه أرقاماً مبالغاً فيها.
خامساً: يرتبط جزء كبير من استهلاك قطاع النقل البري بالقطاع الصناعي بالنظر لعدد الشاحنات المستخدمة لنقل المواد في أنحاء السعودية الشاسعة خاصةً في غياب الاستثمار في خطوط السكك الحديدية والتي يمكنها توفير الوقت والأرواح وليس مجرد توفير الطاقة. كما يرتبط استهلاك قطاع النقل البري بعدم توفر شبكات النقل العام التي كانت ستعمل على خفض استهلاك الطاقة ومنافع أخرى كالحد من التلوث البيئي فيما لو تم العمل على تشييدها منذ سنوات مضت.
كان من الأجدى فهم الأسباب الجذرية خلف الأنماط الاستهلاكية إن كان استهلاك الفرد الحقيقي هو المشكلة أم أنه القطاع الصناعي؛ وإن كان هناك مشكلة أم لا؛ وما هو حجم هذه المشكلة؛ ولإن كان رفع الأسعار هو الحل لها؟! فلا يبدو من خلال الطرح السائد أنه تم أخذ المعايير الصحيحة لتقييم معدلات الاستهلاك ومنطقيتها في الحسبان قبل النظر لاستهلاك الطاقة محلياً من خلال معيار بسيط ومضلل هو “متوسط استهلاك الفرد” وكأن إجمالي استهلاك الطاقة لدينا هو استهلاك سكني بحت!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال