الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هذه الأيام ليست مجرد موسم إعلان النتائج المالية للشركات المدرجة في تداول كما في أسواق العالم الأخرى؛ بل هو موسم يعرف فيه المستثمر نتيجة قراراته التي بناها على اجتهاداته الشخصية أو متابعة محلل مالي متواجد على شبكات التواصل الاجتماعي. نضج السوق المالية لا يكمن في وصول تشريعات السوق ولوائحه إلى مستوى معين أو هيكلته في إطار ما؛ بل يتعدى ذلك إلى مدى نضج المتعاملين أو المتداولين في هذا السوق من حيث كيفية اتخاذ القرارات الاستثمارية كراً وفراً.
المسؤولية الأساسية لعواقب أي قرار استثماري تعود بلا شك للمستثمر نفسه لأنه مطالب بالتأكد من أن خطواته تقوم على أساس تحليل مالي سليم لأداة الاستثمار المتداولة (الأسهم في هذه الحالة)؛ ولكن هناك دور مهم للمشرع في رفع وعي وقدرات المستثمر بهذه المسؤولية ووسائل تحقيقها. كذلك هي مسؤولية المحلل المالي الذي يتعامل على نطاق واسع مع المتداولين الباحثين عن النصيحة والتوجيه من خلال التواجد المستمر على الشبكة العنكبوتية. لكن هناك مآخذ على الممارسات الحالية لعدد من المحللين الماليين يجب أن يتنبهوا إليها كما المستثمر الذي يقوم بمتابعتهم ومنها:
1- كثير من المحللين لا يتخصص في قطاع أو قطاعات معينة بالرغم من عدم تفرغه أو كونه هاوي يقوم ما يقوم به لأنه يستمتع بذلك؛ وبالتالي تجد محللين ماليين يقدمون النصائح (التوصيات) لجميع قطاعات السوق ولجميع الشركات وهو العمل الذي يحتاج لفرق عمل لتغطيته وتقديم توصيات عالية الجودة.
2- أكثر المحللين يركز على المؤشرات اللاحقة (Lagging Indicators) أو التي تأتي بعد حصول الحدث (After the fact) كما يقوم ببناء توقعات قاصرة على الأحداث التي وقعت في الماضي القريب بدون اعتبار للظروف الحالية وتوقعات الطلب والأسعار لمنتجات شركة ما عند توقعه لنتائجها المالية. وهي حقيقة أن توقعات بيوت مال متخصصة في الاستثمار ولعدد 12 شركة كبرى في السوق السعودي تمت مراجعتها كانت بمتوسط دقة يقارب 15% عند مقارنتها بالنتائج الفعلية.
3- اقتصار التركيز على مؤشرات الربحية والتي لا تعكس مدى متانة المركز المالي للشركة خاصةً من حيث قدرة الشركة على إدارة السيولة كما في الأوقات الاقتصادية الصعبة حالياً. فهناك مؤشرات آداء مالي ضرورية لا يتم التركيز عليها وتتعلق بالأنشطة التشغيلية مثل إدارة مخزونات الشركة وحساباتها الدائنة والمدينة أو ما يطلق عليها مجتمعة “رأس المال العامل” والذي يعد ارتفاعه فوق اللازم تجميداً للسيولة بدل استثمارها ولو في ودائع مرابحة تعود على الشركة بسيولة إضافية بدل إبقائها في المخزون القابل لانخفاض القيمة والمعروف بصعوبة التسييل.
كما أن الشركة قد تحقق أرباحاً أكبر من نظيراتها المقاربة في حجم العمليات ولكن أرباحها لا تغطي بما يكفي التمويل الخارجي الذي حصلت عليه للقيام بأنشطتها التشغيلية في بداية المشروع لأن نسبة التمويل الخارجي مقارنة بإجمالي هيكلها التمويلي تعتبر أعلى من الشركات المقاربة؛ وهذا يضع الشركة في خطر الحاجة لإعادة التمويل بتكلفة أعلى لتفادي عدم المقدرة على سداد ديونها حسب الجدول الزمني المحدد وبالتالي دفع المزيد من الفوائد لتعويض المقرضين.
الجانب الآخر والمتعلق بالنتائج المالية هو مدى جودة الإفصاح أو الإيضاح الذي تقدمه الشركات عند إعلان نتائجها المالية حيث يلاحظ اكتفاء الشركات المعلنة بإيضاحات عالية المستوى (High Level) لا تقدم للمستثمر أو مالك السهم أي تفسير أو أسباب جذرية للتراجع أو الارتفاع في نتائج الشركة مقارنة بالفترات السابقة؛ وذلك كأن يفسر ارتفاع صافي الأرباح بارتفاع الإيرادات وتراجع تكلفة المبيعات وهي أمور يمكن أي شخص غير متخصص معرفتها بمجرد النظر للقوائم المالية. والحديث هنا عن التغيرات الجوهرية وليس مجرد الانخفاض أو الارتفاع البسيط حيث يمكن رؤية بنود إيرادات ومصاريف أخرى مبالغها 100-200 مليون ريال في ربع واحد وبلا أية إيضاحات تفصيلية لها.
وعوداً على ذي بدء فهي مسؤولية الشركة بتوفير المزيد من الشفافية وهي مسؤولية المشرع بإلزام الشركة على توضيح هذه البنود؛ وأخيراً وليس الأقل أهميةً هي مسؤولية مالك السهم الواعي بمطالبة إدارة الشركة بإيضاح أية تفاصيل يحتاج لمعرفتها من خلال التواصل مع إدارة علاقات المستثمرين الموجودة في كل الشركات المساهمة أو خلال اجتماعات الجمعية العمومية للشركة. قد تكون الأسباب من خصوصيات الشركة لكن حق مالك السهم في معرفة التفاصيل لا يمكن تجاهله؛ كما هو حق المستثمر المستقبلي في الاتصال بالشركة والسؤال عن أي عملية يحتاج لفهمها قبل الاستثمار في أسهم الشركة.
المسؤولية الأخلاقية للمحلل المالي بتقديم المشورة العادلة جزء لا يتجزأ من الخدمة التي يقوم بتوفيرها سواء كان يقوم بتأدية ذلك كجزء من عمله الرسمي أو هواية يمارسها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما أنها مسؤولية المستثمر التأكد من فهم الجوانب الرئيسة لتقييم الآداء المالي للشركة والتي لا يمكن أن تقتصر على المؤشرات التقليدية لتقييم الربحية بدون تقييم كفاءة الشركة في إدارة السيولة والتي هي أساس المقدرة على الاستمرارية في تحقيق الأرباح.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال