الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
النمو ضروري لتحسين معيشة المواطنين في البلدان منخفضة الدخل، وينبغي أن تشمل ثماره كل قطاعات المجتمع.
وأثناء سفري داخل إفريقيا في الأيام القليلة الماضية، شعرت بإعجاب كبير إزاء الحيوية التي تشيع في أرجائها. فهناك أعمال بادئة تستثمر في المستقبل، وبنية تحتية جديدة تحت الإنشاء، وطبقة متوسطة تزداد اتساعا. وقد أصبح كثير من الأفارقة يحققون دخلا أفضل كما قلت أعداد الفقراء. ففي أوغندا على سبيل المثال، وهي البلد الذي يستضيفني حاليا، تم تخفيض معدل الفقر المدقع بأكثر من النصف حتى وصل إلى 35% تقريبا بعد أن بلغ قرابة 90% في عام 1990.
ولكننا رأينا جانبا معاكسا أيضا. فلا شك أن الفقر، وكذلك عدم المساواة، لا يزالان على ارتفاعهما المزمن في معظم البلدان النامية، بما فيها البلدان الإفريقية، وكثيرا ما تذهب ثمار النجاح إلى البعض دون البعض الآخر.
وقد تعلمنا من عملنا مع بلداننا الأعضاء ومن الأبحاث التي يجريها خبراؤنا، أن اقتسام ثمار النمو – أو ما نسميه “الاحتوائية” – عامل أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستمرار. فكل فئة في المجتمع ينبغي أن تشعر بأن أمامها فرصة لتحقيق حياة أفضل.
ويكشف التحليل الجديد الذي نشرناه اليوم، يكشف خبراؤنا عن قنوات متنوعة يمكن استخدامها لإجراء إصلاحات حيوية داعمة للنمو (مثل إصلاحات الزراعة والقطاع المالي والاستثمار العام) ولكنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى توسيع نطاق عدم المساواة في البلدان الأقل دخلا. وتوضح الدراسة أيضا كيف يمكن اتخاذ إجراءات إضافية تخفف حدة هذه المفاضلات بين النمو والمساواة.
والخلاصة هي كالتالي: أولا، السياسات الداعمة للنمو لا يمكن أن تكون احتوائية بالفعل إلا إذا كانت مصممة بصورة تولي اهتماما كبيرا لتحديد تفاصيل الأطراف الفائزة والخاسرة. ثانيا، الإجراءات الموجهة بدقة يمكن أن تضمن استفادة الجميع من الإصلاحات الاقتصادية الأساسية – وتساعد على تقوية الأسانيد المؤيدة لإجرائها.
نظرة على الفائزين والخاسرين
يعتبر رفع النمو وتخفيض عدم المساواة مهمة بالغة الصعوبة في البلدان التي لا يستطيع العاملون فيها الانتقال بسهولة إلى مواقع أخرى وحيث توجد فروق كبيرة في الإنتاجية بين الخدمات والصناعة والزراعة. وتزداد صعوبة هذه المهمة مع وجود اقتصاد غير رسمي كبير، وبنية تحتية ضعيفة، ونقص في الخدمات المالية. لكن هذا هو الحال في أفقر البلدان الأعضاء في الصندوق.
ففي إفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، يكلف الانتقال من المناطق الريفية إلى الحضرية أكثر من ضعفي تكلفته في الصين. ولا تتوافر الكهرباء إلا لثلث سكان إفريقيا جنوب الصحراء، مقارنة بنسبة 85% في بقية أنحاء العالم. وفي البلدان منخفضة الدخل، حوالي 20% فقط من السكان البالغين هم من يملكون حسابا مصرفيا، مقارنة بأكثر من 80% في بقية أنحاء العالم.
وتقف مثل هذه المعوقات في طريق الإصلاحات الناجحة والعادلة، مثل تطوير البنية التحتية وإصلاحات القطاع المالي.
وتساعد زيادة حجم وكفاءة الإنفاق على الطرق والمطارات وشبكات الكهرباء والتعليم في جعل النمو الاقتصادي أكثر إنتاجية وجعل الانتقال من المزارع إلى المدن أسهل على العاملين. ولكن الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يؤدي أيضا إلى زيادة عدم المساواة إذا أصبحت بعض قطاعات الاقتصاد أكثر تنافسية من القطاعات الأخرى، وخاصة إذا كانت حركية العمالة محدودة.
والحالة مشابهة بالنسبة لإصلاحات القطاع المالي. فعلى الجانب الإيجابي، يمكن لهذه الإصلاحات أن تخفض تكلفة الاقتراض، ومن ثم تحفز الاستثمار الخاص وتشجع النمو. ولكن الإصلاحات المالية قد لا تساعد شرائح السكان الأفقر في الحصول على الائتمان والخدمات المالية إلا إذا كانت عميقة بالقدر الكافي.
كيفية التوصل إلى نمو قوي ولكنه احتوائي
فما الذي يمكن القيام به، إذاً؟ ليست الإجابة أن يوقف صناع السياسات الإصلاحات الداعمة للإنتاجية والنمو، بل إن عليهم النظر في خيارات تجعل هذه الإصلاحات أكثر مقبولية سواء من منظور النمو أو التوزيع.
ومع وضع هذه المسألة في الاعتبار، ينظر التقرير الذي أعده خبراؤنا في عدد من حالات البلدان ويجري تحليلا لإمكانية جعل الإجراءات الموجهة عنصرا مكملا للإصلاحات وعاملا موازِنا للتأثير التوزيعي السلبي.
فعلى سبيل المثال، إذا نظرت ملاوي في تخفيض دعمها لإنتاج الذرة من أجل تعزيز الإنتاجية في القطاع الزراعي، فإن التحويلات النقدية الموجهة للأسر المتأثرة يمكن أن تساعد في تقديم الدعم الفوري للمزارعين الذين قد يتضررون من هذا الإجراء. وقد نجح هذا المنهج في تخفيض الفقر وعدم المساواة في بلدان مثل إثيوبيا التي تمتلك واحدا من أكبر برامج التحويلات الاجتماعية في إفريقيا.
وينطبق هذا على إصلاحات القطاع المالي. فإذا أرادت إثيوبيا زيادة الائتمان المقدم للقطاع الخاص لتشجيع الصناعة التحويلية ودعم النمو والتوظيف، سيكون التوسع في إتاحة الخدمات المالية لسكان المناطق الريفية وزيادة حركية العمالة – من خلال تيسير وسائل النقل التي تربط المناطق الريفية بالمناطق الحضرية، وتوفير السكن بأسعار معقولة في المناطق الحضرية، وإتاحة التدريب – عنصرا مكملا لزيادة الائتمان من شأنه المساهمة في تخفيض عدم المساواة بين القطاعات. وهكذا يتسنى للعمالة الريفية العثور على وظائف تدر دخلا أعلى في قطاعات أكثر حداثة وتنافسية، مثل الصناعة التحويلية والخدمات.
كذلك تستطيع الحكومات استهداف الاستثمار لتحسين الإنتاجية في القطاعات المتأثرة، وتمهيد أثر الإصلاحات الأخرى. ففي ميانمار على سبيل المثال، حيث يعمل نصف القوى العاملة في المزارع، يمكن تحقيق تحسن كبير في الإنتاجية الزراعية عن طريق الاستثمار في توصيل الكهرباء، والري، والبحوث والتطوير لتحسين أصناف الحبوب.
ولا شك أن الحكومات ستواجه تحديات في بناء توافق الآراء اللازم لانتهاج سياسات جريئة داعمة للنمو. وسيواصل الصندوق العمل معها، مساندا للإصلاحات التي ينتفع بثمارها الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال