الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم يشهد قطاع التأمين السعودي نمواً مستداماً حتى السبعينات الميلادية وهي الفترة التي شهدت طفرة النفط السعودية حيث بدأت شركات التأمين الأجنبية تواجدها لتوفير التغطية للأصول المصاحبة لصناعة النفط. ولكن أهم العوائق التي واجهت نمو هذا القطاع كانت النظرة الاجتماعية والدينية التي ترفض أنشطة التأمين وتضعها على قائمة المحرمات الدينية لما فيها من أوجه الغرر. ولكن الأمور بدأت في التغير حيث أعلن مجلس كبار العلماء في العام 1977م أن بعض تطبيقات التأمين تعتبر متوافقة مع الشريعة ويمكن السماح بها ما فتح الباب أمام شركات التأمين المحلية لتقديم خدمات التأمين على أساس ما يعرف بالتأمين التعاوني أو التكافلي والذي قد انتشر مؤخراً في الدول المجاورة ولاقى قبولاً كبيراً.
تكييف أنشطة التأمين بما يتوافق مع التوقعات الدينية للمجتمع أثبت أنها لم تكن الحل لما قد يصوره البعض كالعائق الوحيد أمام تنمية القطاع محلياً؛ بل كانت بداية الرحلة لأن بناء القطاع لا يتحقق بمجرد تأسيس الشركات. تم تأسيس شركات متعددة منذ ذلك الوقت؛ لكن التأمين ليس مجرد قطاع بل هو صناعة تتطلب لوائح وإجراءات منظمة لم تكن متوفرة أو بالنضج الكافي لضمان نمو صحي لأنشطة التأمين ما أدى إلى ظهور مخاوف وتراجع في ثقة الشارع بشأن استمرارية شركات القطاع في آداء أنشطتها. وكرد فعل لهذه التطورات؛ تم تكليف مؤسسة النقد العربي السعودي في 2002م بالبدء في وضع الإجراءات المنظمة لهذه الصناعة والإشراف على تطبيقها حيث كانت أول مهامها تطوير الإطار القانوني المناسب حيث أُصدِرّ نظام الإشراف على شركات التأمين التعاوني كحجر أساس لبدء تطوير صناعة التأمين. إلا أن شركات الصناعة الجديدة تكبدت خسائر مالية كبيرة نتيجة لسببين رئيسين:
1- دخول شركات التأمين في حرب أو منافسة على الأسعار للحصول على أكبر حصة سوقية ممكنة لعدم قدرتها على تغطية تكاليفها وهذا ما استمر لفترة طويلة يمكن وصفها بفترة استزاف لأصول القطاع خاصة مع كبر عدد الشركات – 35 شركة مدرجة في تداول اليوم – ما يجعل من الصعب جمعها على طاولة واحدة للتفاوض والاتفاق على حل لأوضاع القطاع. ولكن هذا ليس إلقاءً بكامل المسؤولية على شركات التأمين ولا إعفاءً لمؤسسة النقد العربي السعودي من مسؤوليتها كمشرف أو مدير للسوق يتوقع منه إدارة دخول الشركات للسوق وضمان الممارسات التنافسية بهدف استمرارية شركات التأمين وتوفير خدماتها بأسعار معقولة.
2- تدني مستوى الوعي بأهمية الحصول على خدمات التأمين وتدني مستويات تطبيقه من خلال الإلزام بشراء الحدود الدنيا لهذه الخدمات مثل التأمين على المركبات حيث أشار أحد التقارير بحسب شركة نجم إلى أن 50% من المركبات التي تعرضت لحوادث مرورية لا تحمل الحد الأدنى من التأمين وهو التأمين ضد الغير.
اليوم يبدو أن هناك تحسن في مؤشرات القطاع يمكن رؤيته في نتائج العام 2016م حيث ارتفعت أرباح كبريات شركات التأمين؛ التعاونية وميدغلف؛ بنسب بلغت 22% 119% على التوالي نتيجة لارتفاع رسوم التأمين على المركبات ما يدعو للتفاؤل عطفاً على حقيقة هي أنَّ 50% من المركبات السعودية والتي يقدر عددها بـ 12 مليون هي مركبات غير مؤمنة وهو ما يعادل 6 مليار ريال إيراد إضافي قد يكسبه القطاع سنوياً إذا تم التأمين على السيارات غير المؤمنة بمتوسط 1,000 ريال للمركبة الواحدة. عطفاً على ذلك؛ ستبقى التساؤلات والتحديات بحاجة للإجابة والتعامل معها.
1- الالتزام بالحصول على خدمات تأمين المركبات كمثال سيرفع إيرادات القطاع بشكل كبير؛ لكن هل ستتناسب إيرادات القطاع حينها مع العائد الذي سيحصل عليه المجتمع؟ من هذا المنطلق؛ يجب أن تتدخل مؤسسة النقد العربي السعودي لتحديد طريقة التسعير المناسبة وضبط الأسعار عند حدود تضمن استمرارية القطاع ولا تكلف المجتمع أعلى مما يتم إنفاقه للحصول على خدمات التأمين.
2- هناك ما يعرف بالخطر الأخلاقي “Moral Hazard” والذي قد ينتج عن شعور المؤمن عليه بأنه يدفع مبلغاً أكبر مما يعود عليه وبالتالي قيامه بسلوكيات غير آمنة كالقيادة المتهورة للانتقام وتكبيد شركات التأمين خسائر التعويض مقابل ما تحصل عليه ظلماً بحسب وجهة نظره.
3- بحسب التعاونية للتأمين فإن التأمين على معظم المشروعات الكبرى في السعودية يتم في الأسواق الخارجية دون الرجوع لشركات التأمين المحلية؛ وهذا ما يشير إلى أن المنافسة لا تقتصر على شركات التأمين المحلية؛ بل هي منافسة مع شركات أجنبية لها باع كبير في هذا المجال؛ فهل يمكن للشركات المحلية المنافسة من خلال إعادة هيكلتها ودخولها في اندماجات محلية؟.
خلاصة الموضوع أن هناك فرص متاحة أمام قطاع التأمين سواء من خلال التأمين على المركبات أو المشروعات الكبرى والتي قد تتطلب تقليص عدد الشركات ودمجها في عدد أقل من الشركات لكن أقوى تنافسياً. كذلك فدور المشرع؛ مؤسسة النقد العربي السعودي؛ لضبط نمو هذا القطاع بما يكفل نمواً صحياً يعود بمعدلات ربحية معقولة على القطاع ويضمن استمراريته وتوفر خدماته بمقابل يتناسب مع العائد الذي يحصل عليه المجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال