الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كما تعمل السعودية على تحويل اقتصادها بتخفيض اعتماده على النفط وإيراداته، فمن المهم أيضا النظر في الدور الذي تلعبه المملكة في إمدادات الطاقة على مستوى العالم. فالنفط كان ولا يزال وسيبقى مصدرا رئيسا للطاقة، ولكن ماذا لو عملت السعودية على الاستثمار في مجال جديد كليا؟ حيث تحافظ على ريادتها في توفير الطاقة حتى في القرن القادم. مصدر الطاقة الذي يمكنه أن يؤمن هذا التفرد هو الاندماج النووي. عملية الاندماج النووي تختلف عن الطريقة التي تعمل بها المفاعلات النووية اليوم، التي تعتمد الانشطار النووي. فهي تقوم بشطر النواة لإنتاج الطاقة، فتنتج معها عديدا من الإشعاعات، بينما في الاندماج النووي تتحد نواتا ذرتين من الهيدروجين لينتجا طاقة وذرة هيليوم وبعض الفوتونات، دون أي إشعاعات أو تلوث. هذه الوسيلة هي نفسها التي تحدث في الشمس لتولد كل الطاقة الشمسية التي تنتشر في أرجاء الفضاء.
يقال إن الاندماج النووي كان يمكن أن يدعم بشكل يتيح الاستفادة منه في وقت أقرب لو تم توجيه الدعم الكافي له على حساب تقنية الانشطار النووي. ولكن نظرا للتطبيقات العسكرية المتاحة مع الانشطار النووي فازت هي بالدعم. ولكن المشكلة الحقيقية لإمكانات عملية الاندماج النووي أنها ما زالت عصية على التقنية البشرية حتى الآن، رغم أنها ممكنة علميا. فواقع الأمر، إن ذرات الهيدروجين تتنافر ولا تندمج في الوضع الطبيعي. إنما تتم العملية في باطن الشمس نظرا للضغط الهائل والجاذبية العالية.
ولذلك فإننا نحتاج إلى تهيئة ظروف مشابهة لما يحدث على الشمس لنتمكن من الاستفادة من هذه الطاقة النظيفة. المشككون يرون استحالة إمكانية توفير مثل هذه الظروف على الأرض باستخدام المغناطيسات الكهربائية العملاقة إضافة إلى صعوبة إيجاد كمية الطاقة اللازمة لبدء عملية الاندماج. ولكن التقدم العلمي في هذه المجالات هو ما يعزز فرص حدوث اختراق علمي نوعي في المستقبل.
أهمية هذه الطاقة تكمن في عدم توليدها لأي انبعاثات أو إشعاعات ضارة، وكذلك توافر وقودها بكثرة في كل أرجاء المعمورة. فيمكن لكيلوجرام واحد من الديوتريوم المستخرج من المياه يوميا أن يوفر ما يكفي من الكهرباء لتشغيل مئات الآلاف من المنازل.
ولذلك نجد تكاتفا علميا على مستوى دولي في مشروع “إيتر” في فرنسا المدعوم من معظم الدول الصناعية الكبرى لإنشاء أول مفاعل اندماج نووي. الأمر الذي يعزز حظوظ وفرص إيجاد القاعدة الأولى لصناعة هذه التقنية. مثلما حدث في مسرع “سيرن” الدولي الذي استغرق أكثر من ثلاثة عقود لتقديم اكتشافات علمية غير مسبوقة فتحت مجالات جديدة في علم الفيزياء. ومع الجهود الدولية، نجد أن القطاع الخاص بدأ في الدخول في عمليات تمويل الأبحاث العلمية لهذه التقنية، فتطبيقات الاكتشافات اللازمة غير محدودة على مفاعلات الاندماج. ولذلك أتمنى أن تكون هذه التقنية على خريطة طريق التنوع الذي تعمل السعودية على إحداثه.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال