الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
دعوة لحماية علم الاقتصاد
يُعنى علم الاقتصاد بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بمختلف تصنيفاتها سواء المادية أو البشرية أو التقنية حيث يتحدد الاستخدام الأمثل بتحقيق أقصى عائد “للمجتمع” ككل وليس للفرد أو الشركة أو قطاع ما؛ بل المجتمع ككل بمختلف مكوناته التي تشمل المستهلك والمنتج والمُشرع أو الحكومة. وهو في الأصل علم اجتماع تطور من خلال دمج التطبيقات الإحصائية والرياضية في نمذجة نظرياته وإعطائها صبغة تطبيقية أكبر وإن استكى البعض من استيلاء الرياضيين (من علم الرياضيات) على العلم وإفقاده قيمته من خلال تحويل الاقتصاديين لمطوري نماذج رياضية قد تفتقد للواقعية والحس التحليلي الذي يعبر عن فهم لمكونات الاقتصاد وسلوكياتها. ومن باب الدعابة؛ فلا أنكر شخصياً امتعاضي من بعض افتراضات آخر النماذج الاقتصادية في سعيها لفهم سلوكيات واتجاهات الأسواق حيث تصفني وتصفك وإن كان ذلك نظرياً بأننا غير منطقين أو غير عقلايين؛ وهذا ما لا أقبله إطلاقاً بعد سنوات من دراسة الاقتصاد والعمل والكتابة والجدال في المجال الاقتصادي أن أُستخدم ككبش فداء لفشل النماذج الاقتصادية في مهمتها!
عندما نتطرق لتركيز علم الاقتصاد على العائد للمجتمع فهذا يعني أن حسابات الربح والخسارة الاقتصادية تختلف عن نظيرتها المحاسبية المحدودة في بيان ربحية الوحدة الاقتصادية المعبر عنها فيما تحققه هذه الوحدة من إيرادات بيع ما تنتجه وما تنفقه من مصاريف لإنتاج ما تقوم ببيعه. علم الاقتصاد ينظر على سبيل المثال غلى التكاليف الأخرى التي لا تدفعها الوحدة الاقتصادية وإنما المجتمع كالتكلفة البيئية أو التلوث الذي تحدثه عمليات الإنتاج كما تحاول تحديد تكلفة الفرصة البديلة فيما لو كان هناك خيار آخر لاستغلال الموارد الاقتصادية التي تستخدمها وحدة اقتصادية ما في إنتاج ما تبيعه. علم الاقتصاد في شموليته هو أعظم وأنبل من بقية العلوم المالية التي تركز حسابات الربح والخسارة الخاصة للفرد أو الشركة وليس المجتمع.
الندرة النسبية للموارد هي من أهم الافتراضات التي تقوم عليها النظرية الاقتصادية حيث تعني أننا لا نملك من الموارد ما يكفي لتلبية الحاجات البشرية وبالتالي فهذا يستدعي تحديد الاستخدام الأمثل أو المعظم لها على مستوى المجتمع؛ لكن يبدو أن هذا ينطبق اليوم على التحليل الاقتصادي ذاته فهناك ندرة في توفر المحللين الاقتصاديين الذين يمكنهم مساعدة المجتمع في فهم أبعاد الأحداث الاقتصادية من حولنا. هناك فراغ في مجال التحليل الاقتصادي لأن العامة يريدون فهم ما يحدث ويتغير كل يوم ولطالما كان هناك طلب ستتكون فجوة أو فراغ سينبري أحدهم لسده وللأسف أن كثيرون هم دخلاء يلعبون على وتر العاطفة فلا هم قد درسوا مبادئ الاقتصاد ولا عملوا في هذا المجال ولكنهم يجذبون الألوف في متاهات مضللين متابعيهم ومؤججي الشارع العام بدل إيضاح الصورة الحقيقية لقضية اقتصادية معينة.
هناك أدوار متعددة تتفاوت في الحضور على مسرح العرض الاقتصادي اليوم في فترة تطلق المملكة خلالها بوادر التحول الوطني الذي يستهدف تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال مبادرات عدة. يمكن جصر هذه الأدوار فيما يلي:
1- الدور الكبير للصحف المتخصصة والقائمين عليها بالتحديد في توعية المتلقي وتطوير فهمه الاقتصادي مسألة أخلاق مهنة لا يجب التنازل عنها والحق يقال أن هناك طفرة في هذا المجال خاصة من خلال العالم الرقمي.
2- الدور الآخر وهو الغائب أو الظاهر بخجل او كسل في هذا النطاق هو دور الجمعيات المهنية وتحديداً جمعية الاقتصاد السعودية التي كان من المتوقع تدخلها بمشروع حقيقي تساهم من خلاله في تنمية وتطوير الفهم الاقتصادي للشارع خلال هذه المرحلة التاريخية المهمة خاصة وأن تحظى بدعم ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير/ عبدالعزيز بن سلمان آل سعود رئيس شرف جمعية الاقتصاد السعودية حيث أن استحداث برنامج شهادة مهنية مثل “شهادة المحلل الاقتصادي المعتمد” من شأنها إعطاء صبغة رسمية للمحلل الاقتصادي المؤهل مقارنة بمن يتلاعب بمشاعر المتابعين ويتعامل بسياسة: الغاية تبرر الوسيلة.
3- هناك عدد من الأكاديميين من يضطلع بدور كبير من خلال مشاركة المجتمع الاستفادة من علمه فتجده متفاعلاً مع العامة من خلال أدوات التواصل الاجتماعية والأنشطة الاجتماعية كالندوات المصاحبة للمهرجانات الوطنية. ولكن أين البقية الذين اكتفوا بالتدريس غرقى في العالم النظري فلا استفاد المجتمع من علمهم سواء من خلال التواصل مع المجتمع أو حتى تقديم الأبحاث العلمية في مجال الاقتصاد.
4- هناك قدرات وطنية كبيرة غائبة بحكم عملها لدى الجهات الحكومية المتخصصة في الاقتصاد كمؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط؛ لكن قد يمكن إزالة بعض قيود التحفظ على هذه الأصول البشرية العظيمة.
قد لا تعود دراسة الاقتصاد على خريجيها برواتب مجزية مقارنة بنظرائهم من أقسام أخرى كالمحاسبة والإدارة المالية ولكن أهميتها للمجتمع تتجاوزها بمراحل؛ وبالتالي فإنه لا ينبغي لأصحاب الأدوار الغائبة أن يطيلوا غيابهم لأن المجتمع بحاجة لمساعدة تروي ظمأ العطش المتنامي لفهم الشأن الاقتصادي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال