الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يجب أن تدرك الأسر السعودية أن ما بعد ٢٥ أبريل ٢٠١٦ يختلف عما قبله ، الرؤية التي أطلقتها الحكومة ذلك اليوم غير مسبوقة في تاريخ المملكة العربية السعودية ليس في جانبها التنموي بل في القرارات التالية والمتعلقة بإعادة إصلاح الإنفاق الحكومي ، والتي شملت خفض الكثير من النفقات بما فيها المتعلقة برواتب موظفي الدولة وتقنين بعض النفقات الإستثمارية في البنية التحتية ، كما شملت القرارات رفع الدعم من أسعار الطاقة تدريجيا حتى تصل للتحرير الكامل ٢٠١٨ لتصبح بسعر السوق العالمي ، ثم فرض ضرائب على مرحلتين الأولى لبعض السلع المنتقاة والأخرى ضريبة القيمة المضافة .
كل تلك القرارات غير المسبوقة سيكون لها أثر مباشر على دخل المواطن بالإنخفاض وعلى نفقاته المباشرة على تلك السلع والخدمات التي سوف تشملها القرارات بالإرتفاع ، بدءا من أسعار الطاقة والمياه ثم السلع التي ستشملها الضرائب ، ليس ذلك فحسب بل سوف يكون لتلك القرارات أثر مباشر في رفع المستوى العام للإسعار (التضخم) ، والذي سيرتفع قطعا بإرتفاع أسعار الطاقة والمياة وبضريبة القيمة المضافة ، أي أن نفقات المواطن الشهرية سوف ترتفع عن معدلها بما لا يقل عن ٣٠٪ عم كانت عليه قبل تلك القرارات .
قبلنا بتلك القرارات أم لم نقبل ، إقتنعنا بجدواها الإقتصادية أم لم نقتنع فقد أصبحت واقعا يجب التعاطي معه بجدية ، وأيا كان مقدار الدعم الذي ستحصل عليه الأسرة من حساب المواطن فلن يكون كافيا لها عن إعادة ترتيب أوضاعها المالية والعمل على تقنينها . والعودة إلى الوضع الطبيعي الذي تعيشه المجتمعات وما كان يعيشه مجتمعنا قبل أن تُفسد سلوكياتنا الإستهلاكية الدخول المرتفعة بدون جهود حقيقية بتأثير ثقافة أصحاب الشرهات والفساد والتجارة الوهمية (التستر) على بقية المجتمع المنتج الكادح ، حتى أصبح الإنفاق التفاخري (الهياطي) هو السائد في المجتمع وفى أبسط الأمور.
وأول ما يجب أن تقوم به الأسرة وضع ميزانية شهرية للنفقات ، فالميزانية المفتوحة لن تكون مقبولة بعد الأن ، بل لن تصبح ممكنة لمعظم الأسر السعودية بعد سريان مفعول تلك القرارات ، وما لم تعمل الأسرة على تقنين إنفاقها فقد تجد نفسها أمام أزمة حقيقية تجعلها غير قادرة على تدبر ضروريات الحياة . ومن أهم ما يجب في هذا الصدد ، أن تعرف الأسرة مجالات نفقاتها الشهرية بالضبط بتسجيلها شهريا نوعا وتكلفة (توجد تطبيقات تساعد على ذلك) ، والعمل على التخلص من النفقات الكمالية وغير الضرورية أو التخفيف منها إلى أدنى درجة ممكنة ، وتقنين بقية النفقات والسيطرة عليها في حدودها الطبيعية والمقبولة . وهذا باب كبير تستطيع كل أسرة معرفة نفقاتها التي يجب أن تخفضها وكيف ؟بشيء من التقصي والبحث عن أفضل الوسائل والطرق . وعندما تضع الأسرة ميزانيتها يجب أن تكون صارمة في تنفيذها بدقة ، فوجود ميزانية لا تطبق لا قيمة لها .
ما أود التنبيه عليه فيما يتعلق بضبط النفقات الشهرية هو الحذر من النفقات الصغيرة التي لا تشعر بها الأسرة ولا تراها ، فهي الأكثر تأثيرا وإستنزافا للدخل ، فمتى إستطاعت الأسرة ضبط تلك النفقات فإنها ستوفر مبالغا لا تخطر لها على بال ، وستكون بعد ذلك قادرة على ضبط النفقات الكبيرة.
وأنصح الأسر التي ستحصل على دعم من حساب المواطن أن تخصص ذلك الدعم لمصاريف الطاقة فقط ، وإن فاض شيء (ولا أظنه) فلتحوله للإدخار ، وتعتمد في نفقاتها الأخرى على الدخل الدائم ، وأن تعمل قدر الإمكان أن تجعل كل نفقاتها بما فيها الطاقة من الدخل الدائم ، وتتعامل مع الدعم على أنه مبلغ غير دائم وتحوله للإدخار . (وأعلم أن ذلك غير ممكن لمعظم الأسر السعودية ).
بعد ذلك يجب أن تكون الأسرة حذرة كل الحذر من التورط في أي قروض إستهلاكية أو لسلع كمالية مطلقا مهما كانت المبررات ، أما القروض من أجل السلع الرأسمالية كالبيوت والسيارات فيجب أن يكون بعد دراسة وافية تشمل مقدرة الأسرة على سداد القرض وعدم وجود أي معوقات للسداد طوال مدة القرض ، كذلك أن يكون هامش الربح (الفائدة) في أقل نسبة ممكنة ، وأن تضع في الحسبان التضخم المستقبلي الذي قد يؤثر على قدرتها على السداد . وفيما يتعلق بالقروض الإستثمارية أهم ما يجب التأكد منه أن يكون الإستثمار ناجحا وقادرا على تمويل القرض في الحد الأدنى طوال القرض ، وإن تأخر الربح لما بعد سداد القرض فذلك مقبول في الوقت الراهن .
إن كان للقرارات الأخيرة من إيجابيات فهو تصحيح سلوك المجتمع الإستهلاكي الذي تجاوز كل القيم الدينية والإنسانية في الإسراف والتبذير والتباهي وعدم تقدير قيمة النعم التي أنعم الله بها علينا حتى أصبحنا محل تندر وإستهزاء العالم . (القضاء على الهياط مكسب كبير) .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال