الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كثيرا ما نسمع مقولة يرددها البعض سواء من الاقتصاديين، أو من أقحم أنفه دون دراية في علم الاقتصاد، تلك المقولة التي تقول أن التضخم ملازم للنمو الاقتصادي، أو لا يوجد نمو اقتصادي من غير تضخم، وبالرغم من صحة تلك المقولة، إلا أنها ليست على إطلاقها كما يعتقد البعض، والسبب هو ذلك اللبس الحاصل في فهم معنى النمو الاقتصادي ومؤشراته، وبين الناتج المحلي الإجمالي الذي يأخذ به البعض كدليل على تزايد أو تراجع معدل النمو الاقتصادي للدولة، إضافة لعدم التمييز بين الهياكل الاقتصادية، وطبيعة القطاعات المحركة للنمو.
وتختلف استنتاجات وتحليلات الاقتصاديين باختلاف فهمهم لما تعنيه بعض المصطلحات والمتغيرات الاقتصادية، بعيدا عن التأويل أو القول بالرأي، وهذا بدوره يجعلنا نتساءل هل فعلا حقق اقتصادنا المحلي نموا بمفهومه الاقتصادي، وهل هذا التضخم الذي حدث، والركود الذي نعيشه حاليا هو نتيجة معدلات النمو، أما أننا كنا نمر بمرحلة نمو وهمية، وبمجرد أن ينكشف ذلك الوهم نجد أننا نرجع تقريبا لذلك المستوى الذي انطلقنا منه قبل ارتفاع أسعار النفط.
وحتى نكتشف حقيقة ذلك يجب أن نقف قليلا مع بعض التعريفات والمؤشرات لبعض المتغيرات الاقتصادية
بداية ما هو التعريف الاقتصادي للناتج المحلي الإجمالي (GDP)
يُعرف الناتج المحلي الإجمالي بأنه القيمة النقدية للسلع والخدمات النهائية المنتجة داخل حدود الدولة خلال فترة زمنية محددة.
ومن خلال التعريف نجد أن الموارد الطبيعية التي تُستخرج كالنفط والغاز وغيرها لا ينطبق عليها التعريف الاقتصادي للناتج المحلي الإجمالي، والذي نص على أن تكون السلع أو الخدمات منتجة، أي أنها كانت نتيجة مزج عناصر الإنتاج المختلفة -مدخلات الإنتاج- (الأرض والعمل ورأس المال) للحصول على -المخرجات- وهي السلع والخدمات، هذا التعريف من بديهيات الاقتصاد، وبالإمكان الرجوع إلى إحدى الكتب الاقتصادية في الاقتصادالكلي والجزئي والتي لابد أن تتناول بالتفصيل كلا من الناتج المحلي الإجمالي، وعوامل الإنتاج.
أما فيما يتعلق بالتضخم فيُعرف أنه الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات.
نأتي للعلاقة بينهما، وكيف يكون التضخم نتيجة أو دليل على النمو الاقتصادي.
النمو عملية ديناميكية معقدة ومتشابكة تتسم بالارتفاع والانخفاضفي بعض الفترات، وتساهم فيها الوحدات الاقتصادية من خلال الحركة التفاعلية بين العرض والطلب، فالطلب المتزايد على السلع والخدمات يولد استجابة لجانب العرض فتعمد الشركات للإنتاج ويتزايد الإنتاج مما يؤدي لزيادة الطلب على عناصر الإنتاج ويزداد التوظف في الاقتصاد، ونتيجة لذلك يتزايد العرض من السلع والخدمات ويحدث النمو بمعناه الاقتصادي الفعلي.
وهذا النمو ينتج عنه التضخم، وهو ارتفاع الأسعار، نتيجة للطلب،وارتفاع الأسعار هو المحرك الرئيسي لزيادة الإنتاج، فكان هذا التضخم الناتج عن عملية النمو الحقيقية تضخما صحيا، وبمجرد أن يأخذ التضخم معدلا غير مرغوب، تبدأ الحكومات في اتخاذ سياسات مالية من خلال خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، أو سياسة نقدية من خلال التأثير على الكمية المعروضة من النقود، وهذا يؤدي إلى انخفاض الطلب وتراجع الأسعار، وانخفاض العرض، عنده يقل الإنتاج أو يتراجع التوظف في الاقتصاد، وهذا قد يؤدي إلى الركود.
في المقابل إذا حدث الركود قد تتخذ الحكومات سياسات مالية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي أو خفض الضرائب، أو تعمد إلى سياسة نقدية بهدف زيادة عرض النقود، وهذا يٌساعد على إنعاش الطلب وبالتالي انتعاش جانب العرض وزيادة الإنتاج وعودة التوظف في الاقتصاد.
ومن ذلك نستنتج أن التضخم الذي حدث، كان في مجمله نتيجة نمو اقتصادي حقيقي، والدليل على ذلك ما يحدثه من أثر إيجابي على معدلات البطالة، إضافة لما تتمتع به بعض الاقتصاديات من مرونة في التأثير عليه من خلال تبنيها سياسات مالية أو نقدية.
لكن ما الذي يحدث في الاقتصاديات الريعية التي يعتمد اقتصادها على مورد طبيعي كالنفط مثلا، عندما ترتفع أو تنخفض أسعار النفط، وعلى سبيل المثال المملكة.
حينما بدأت أسعار النفط تتزايد وتحلق في أعلى مستوى وصلت إليه وهو ما يزيد عن 140 دولار للبرميل، كان مؤشر الدولار، والذي يقيس قيمة العملة أمام سلة من العملات الرئيسة، في أدنى مستوى لم يصل إليه من قبل وهي 70 نقطة تقريبا، وكان ذلك عام 2008، وكما هو موضح في الرسم البياني رقم 1 ، والذي يبين علاقة واتجاه سعر النفط الفوري ومؤشر الدولار، وانخفاض مؤشر الدولار يعني انخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة، وكون الريال مرتبط بالدولار، أدى ذلك أن ينتقل تأثير انخفاض سعر صرف الدولار للعملة المحلية، لذا أصبح ما ندفعه من عملة محلية للواردات أكثر نتيجة لانخفاض الدولار، وهذا كان له أثرا كبيرا على معدل التضخم لدينا.
وهذا التضخم الذي حدث يُعرف بالتضخم المستورد، إذ أن أغلب السلع التي لدينا سلع مستوردة، وبالإمكان الرجوع إلى سلة المستهلك في موقع الهيئة العامة للإحصاء، التي من خلالها يُحسب مؤشر المستهلك ومنه يتم الحصول على التضخم، والرسوم البيانية أدناه تبين علاقة مؤشر الدولار، ويبين الرقم القياسي لتكلفة المعيشة الشهري الشكل رقم 2، والسنوي شكل رقم 3، في حين يمثل الشكل رقم 4 معدل نمو كلا من مؤشر الدولار، والرقم القياسي لتكلفة المعيشة (التضخم)
وهنا نتساءل هل فعلا اقتصادنا يمر بمرحلة ركود، وإذا لم يكن فماذا نطلق على ما يحدث الآن ؟!
بداية ما هو الركود وما أسبابه:
يُعرف الركود اقتصاديا أنه فترة طويلة إما تباطؤ أو عدم النمو في الاقتصاد، وعادة يقاس ذلك بالناتج المحلي الإجمالي GDP ، والبعض يرى أن الاقتصاد إذا ما حقق معدلا دون 2 إلى 3% يعتبر ركودا اقتصاديا، ويحدث الركود نتيجة لانخفاض الطلب، أو أن السلع المنتجه تفوق الاستهلاك، والذي يؤدي لكساد السلع فيعمد المنتجون إلى خفض أسعارهم لتصريف المخزون وهذا يؤدي إلى إنخفاض معدل الإنتاج وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة.
وإذا اسقطنا تعريف الركود على اقتصادنا المحلي جاز لنا عدم تسمية ما يحدث ركودا اقتصاديا، فمعدلات النمو الذي حققها الاقتصاد من خلال الناتج المحلي الإجمالي في الفترات الماضية كان نتيجة لارتفاع أسعار النفط، والذي في حقيقته ليس سلعة مُنتَجة بناءا على التعريف الاقتصادي للناتج المحلي الأجمالي، إذا يُلاحظ استمرار معدلات الإنتاج من النفط وانخفاض الناتج المحلي نتيجة لتراجع الأسعار، في حين أن الركود ينتج عنه عكس ذلك تراجع في الإنتاج والأسعار معا.
من ذلك نجد أن معدلات النمو الذي حققها الاقتصاد في الفترات الماضية كان نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وكما ذكرنا في بداية المقال أن النفط من السلع المستخرجة ولا يُعتبر سلعة منتجه بناءا على التعريف الاقتصادي للناتج المحلي الأجمالي، مما يعني أن معدلات النمو التي حققها الاقتصاد ليست معدلات نمو حقيقية بمفهومها الاقتصادي، وهذا يعيدنا إلى التضخم الذي حدث والذي في مجمله لا يعكس ذلك النمو كما يراه البعض، وإنما صورة زائفة آخرى.
وما حدث من انخفاض في معدلات التضخم، والذي يعتقد بعض الاقتصاديين أنه مؤشر على الركود، واستغرب أن البعض لم يفطن له، وربما البعض نسي أو تجاهل أشكال السوق، الذي تعمل فيه المنشأت، إذا أن ارتفاع مؤشر الدولار يؤدي أن تنخفض تكاليف السلع المستوردة بمعنى أن ما نحتاجه من ريالات لشراء السلع قل نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار عالميا، ونتيجة لذلك تعمد بعض المنشآت المستوردة للسلع لخفض أسعارها لتصريف ما لديها من مخزون، فتؤثر بذلك على المنشآت الأخرى فتتصرف نفس التصرف، وتقوم بنخفيض أسعارها هي الأخرى، هذا التراجع في الأسعار كما ذكرنا، ليس في حقيقته ركودا، ناتجا عن تراجع الإنتاج، وإنما ناتج عن انخفاض السلع المستوردة.
في المقابل قد نجد أنه من المقبول أن نشير إلى ما حدث لأسعار الأصول خصوصا العقارية، تضخما، كون هذ السلعة متجانسة في جميع دول العالم إلا أن الفارق في أسباب تضخم السوق العقارية في الاقتصاديات ذات النمو الحقيقي ناتج عن زيادة الطلب من قبل المطورين على عنصر العمل، نتيجة لزيادة الطلب من قبل المستهلكين، وهذا هو التضخم الحقيقي الذي كان سببا لزيادة التوظف في الاقتصاد، في حين أنه لدينا ناتج عن طلب متزايد تزامن مع سلوك احتكاري، فكان تضخما غير مبرر لم ينشأ عن نمو حقيقي، وهذا يقودنا إلى الحد الفاصل ما بين التضخم والركود، وهو الإجابة عن هذا التساؤل هل كان اقتصادنا يمر بمرحلة نمو حقيقة أم لا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال