الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل العمق الزمني للممارسات التجارية التي تنشؤها وتديرها العائلات والتجمعات العائلية -ما نتج عنه احتلال الشركات العائلية نسبة تفوق ٩٠٪ من حجم الشركات في المملكة بحسب العديد من المصادر الحديثة- دخل على خط الزمن مفهومٌ جديد لمأسسة الثروات العائلية شكلاً ومضموناً بعد أن كانت مؤسسيّتها تعبر عن الشكل فحسب ولا تتجاوزه إلى المضمون، وهو حوكمة الشركات العائلية الذي يعد بدوره صورة من صور الحوكمة بمعناها الشامل الذي يتناول تنظيم الآليات الاستراتيجية والأداء التنفيذي داخل المنشآت التجارية وفق ممارسات متقدمة تقوم على مبادئ العدالة والمساءلة والإفصاح والشفافية وتوثيق علاقة مجالس الإدارات بالمساهمين وأصحاب المصالح، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على الموثوقية العالية والسمعة التجارية ويضمن استدامة أعمالها وتوسيع نشاطاتها وتعظيم أرباحها.
بالنسبة للشركات العائلية فإن مما يحسب للمنظم السعودي وفقاً لنظام الشركات الجديد هو السماح بإنشاء شركة الشخص الواحد الذي يمهد لتقنين الثروات العائلية وأنشطتها التجارية وفق قواعد لائحية سواء كانت عامة أو داخلية للحد من الازدواجية ولتحقيق استقرار أكثر للقرار داخل الشركة العائلية والذي عادة ما يصدر من كبير العائلة في إدارة شؤون الشركة واتخاذ قراراتها المصيرية دون وجود شراكة فاعلة في تدوير الرأي وصناعة القرار.
وأياً يكن شكل الشركة العائلية فإن من أهم التحديات التي تقف في طريق استدامة أنشطة هذه الشركات وتنمية أرباحها هو “صناعة القرار”، وهو ما قد يتلاشى نسبياً في الشركات غير العائلية التي يمنح للمساهمين فيها الحق في اختيار أعضاء مجلس الإدارة من خلال التصويت التراكمي الذي يتيح لكل مساهم قدرة تصويتية بعدد الأسهم التي يملكها. كما أن التحدي الآخر الذي يواجه الشركات العائلية هو “الجيل الثالث” بحسب الكثير من الدراسات التي تشير إلى أن ذلك الجيل عادةً لا يملك الخبرة الكافية لاتخاذ القرار بسبب احتكاره للصانع الوحيد بحسب موقعه العائلي في كل مرحلة من مراحل الشركة العائلية؛
كتب راندل كارلوك في تحليله لانهيار إحدى المنشآت العائلية خمسة عوامل ذات أبعاد اجتماعية تسهم في الحد من فعالية العائلة المالكة في إدارتها للشركة، تتلخص في:
“1 – افتقار العائلة إلى مهارات التواصل، سواء بشكل داخلي بين أفراد العائلة أو التفاعل الخارجي.
2 – فشل العائلة في إحكام سيطرتها على إدارة أعمال المجموعة، على الرغم من كونها المساهم الأكبر من حيث أسهم الملكية، لكنها عادة لا تستطع التدخل في الإدارة أو مراقبة وتقييم أدائها.
3 – تباين أهداف أفراد العائلة، حيث يفكر الجيل الشاب في توسيع انتشار مجموعة الفروع والمنتجات وتعزيز حصتها السوقية لتعزيز الأرباح ودعم القيمة المادية للشركة، بينما يظل هاجس الجيل القديم متمحوراً حول حماية الشركة.
4 – عدم إدراك الجيل القديم في العائلة أهمية حسم اتخاذ القرارات في إطار زمني محدد.
5 – انخفاض فاعلية الهيكل التنظيمي في الوصول إلى المستوى المطلوب للتحكم في الإدارة. ”
لذا فإن “حصان” حوكمة القرار يجب أن يوضع أولاً قبل “عربة” حوكمة الشركات العائلية، وهذا الترتيب الأولوي يتطلب التفريق بين الشركات العائلية وغيرها من الشركات بسبب أن أصول الحوكمة ومبادئها مهما أنتجت واقعاً مؤسسياً متفوقاً في الشركات غير العائلية إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً في تلك العائلية ما لم يتناول المختصون حوكمة القرار بالتحليل القانوني الكفيل بتعزيز هذا المفهوم وخلق حالة استجابة فاعلة لدى تلك الشركات، من خلال إضافة المواد والقواعد المنظمة لتلك الحالات، وضرورة الفصل بين الشركات غير العائلية التي قد تكون مؤسسة منذ نشأتها طبقاً لمبادئ الحوكمة من خلال نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية، وتلك الشركات والتجمعات الاستثمارية العائلية التي تتجاوز أعمارها أحياناً مفهوم الحوكمة في المملكة من الناحية الزمنية.
إن مما يشار إليه بهذا الصدد مبادرة وزارة التجارة والاستثمار بإصدار (دليل حوكمة الشركات العائلية السعودية وميثاقها الاسترشادي) عام ٢٠١٤م وهو دليل استرشادي بمعنى أنه غير ملزم للشركة مالم تلتزم به في نظامها الأساسي ولوائحها الداخلية، ورغم أنه لا يزال قاصراً عن تناول القرار بالمعايير المهنية التي تضمن الفاعلية والاستدامة، إلا أنه خطوة مهمة باتجاه المأسسة القانونية للثروات العائلية، وقد كان من الملائم -والملائم جداً- أن يتواكب تحديث هذا الدليل -وإصداره بثوب جديد يتجاوز الطبيعة الاسترشادية إلى الإلزامية المتدرجة لبعض مواده- مع صدور نظام الشركات عام 2015م، وكذلك لائحة حوكمة الشركات الصادرة آنفاً –عام 2017م- عن هيئة السوق المالية وما احتوته من ضمانات تكفل التوازن بين كافة الأطراف وتنعكس آثارها على الاقتصاد المحلي بما يؤدي إلى متانته أمام التحديات ومرونته مع المتغيرات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال