الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا تملك أمة من الأمم ثروة أغلى ولا أهم ولا أدوم من الثروة البشرية، ولا يمكن لأمة من الأمم أن تنهض وتتطور وتتقدم مطلقا بدون الإهتمام بالإنسان . اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافوره وماليزيا والآن أندونيسيا كل تلك الدول لم تلحق بركب الدول المتقدمة والصناعية والحضارة والنمو الاقتصادي المستمر منذ عقود إلا بإهتمامها بالإنسان وخصوصا في الجانب التعليمي .
أمريكا على سبيل المثال لم تكتفي ببناء نظام تعليمي من أفضل الأنظمة التعليمة على مستوى العالم وبها أفضل الجامعات العالمية ، بل عمدت وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية إلى إستقطاب أفضل العقول حول العالم وتقديم أفضل العروض المغرية لهم للقدوم لأمريكا والعيش فيها وأخذ جنسيتها، وتهيئة المناخ لهم للإبداع والإنتاج ، لذلك إقتصادها في حالة نشاط ونمو وشباب مستمر ولا يشابهه إقتصاد في العالم .
أعتقد أننا نعيش أزمة خانقة في ما يتعلق بالكوادر البشرية المؤهلة من أبناء الوطن ، ليس في جانب البناء فهذا قد قطعنا فيه شوطا ليس باليسير ، وتكوّن لدينا أعدادا كبيرة من المؤهلين وذوي الخبرات في مختلف المجالات ، من خلال نظام تعليمي رغم ما يعتريه من قصور إلا أنه استطاع أن يبني جيلا متعلما على مستوى عالى من الجودة ، خصوصا في الجامعات العريقة ، ومن خلال إبتعاث عشرات الألاف من الشباب السعودي على مدي أربعين سنة وأكثر .
المشكلة تمكن أولا في استقطاب تلك الكوادر ، وتهيئة المناخ الاستثماري الذي يستفيد منها في بناء الوطن ، عن طريق الحلقة الصناعية المتكاملة التي تبدأ بالبحث مرورا بالإبتكار وإنتهاءا بالتصنيع ، وهذا يتطلب إستثمارات ضخمة في غير مجال النفط وما يتعلق به من صناعات .
ومشكلة إستقطاب الكوادر لها ثلاث أوجه أو مستويات ، الوجه الأول في بقاء المبتعثين في بلد الإبتعاث أو إستقطابهم من دول أخرى للإستفادة منهم بعد أن أنفق عليهم الوطن ملايين الريالات فرط فيهم بكل سهولة لأنه لم يستطع مجاراة العروض التي قدمت لهم في الخارج أو قريبا منها ، ولم يهيئ لهم المناخ المناسب للإنتاج . الوجه الثاني تسكع الشباب السعودي المؤهل من الداخل والخارج وهيامه على وجهه بين الشركات السعودية يبحث عن عمل فلا يجد إما لوجود وافد في المكان الذي يناسبه ، أو لعدم وجود المكان المناسب لمؤهله ، أو لتقديم عرض هو للطرد أقرب منه لعرض العمل ، فيكون الهروب هو الحل .
أو العمل الحر البسيط جدا الذي لا علاقة له بالتخصص كنورة الغامدية متخصصة النانو التي عملت في بوفيه متنقل لكسب لقمة العيش . وأخر أوجه هذه المشكلة أن يعمل صاحب التخصص في غير مجاله في إحدى الإدارات الحكومية حيث تغرقه في المهام الإدارية الورقية ، لأن البيئة لا تناسب مجاله المتقدم جدا فيتحول لمجرد موظف بمسمى وظيفي لا علاقة له بتخصصه . وهل يوجد دليل على ضياع الكوادر الشابة المؤهلة أن يخفي أحدهم مؤهله العالي والدقيق ويقدم مؤهل متدني قد لا يتجاوز المرحلة الثانوية كي يجد عملا مناسبا له؟، والسبب أن مؤهلاته فوق الحاجة ، بل إن عمله لو عرف بمؤهله ذلك لقام بفصله من العمل ، ذلك ما وصل له حال شبابنا المؤهل .
أما كارثة الكوارث التي بدأت تطل برأسها بسبب ما يسمى ترشيد الإستهلاك فهي التفريط في الكوادر التي تعمل في مختلف المجالات وخصوصا المجال الطبي والبحثي . فقد عمدت وزارة الصحة مثلا إلى خفض رواتب وبدلات الإستشاريين . وبعض الباحثين بعد أن فاض بهم الكيل صرخوا لعل أحدا ينقذهم وينقذ مستقبل الوطن ، بعد أن قدم أحد المراكز البحثية الكبيرة الباحث الغربي عليهم والذي يرون أنفسهم لا يقلون عنه معرفة وخبرة .
السعوديون المؤهلون على مستوى عالي من التأهيل الذين يعملون في الخارج ممن عرفناهم أو سمعنا عنهم لا يمثلون ١٪ من العدد الحقيقي ، ومنهم من كان يعمل هنا لكنه (هرب) نعم هرب رغم بشاعة الكلمة فهي الحقيقة ، والبعض يفكر في الهرب بعد أن يئس من إيجاد المكان المناسب له أو أن مكانه بدأ يضيق به .
المقالات التي كتبت وتكتب من أجل بيع أرامكو سواءا كانت مع أو ضد كثيرة جدا وأرامكوا تستحق كل ذلك الجدل ، لكنها مع كل الحب والتقدير لمن يرونها ثروتنا الحقيقية هي ليست كذلك ، بل ثروتنا الحقيقية هم الشباب المؤهل القادر على الانتاج والراغب فيه ، والذين تكتض بهم شوارعنا وشركات العالم .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال