الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعرِّف الاقتصاديين الركود بـ: الإنخفاض في الطلب الكلي الفعلي الذي يؤدي إلى بطء في تصريف السلع والبضائع في الأسواق، ومن ثم تخفيض تدريجي في عدد العمالة في الوحدات الإنتاجية وتكديس المعروض والمخزون من السلع والبضائع مما يؤدي الى تفشّي ظاهرة عدم إلتزام التجار في سداد التزاماتهم المالية وشيوع الإفلاس والبطالة .
إن الركود الاقتصادي من أخطر المشاكل التي عانى منها الاقتصاد العالمي، لذلك يعكف بعض الاقتصاديين على دراسة ما وضعه الاقتصادي الشهير”كينز”حيث كان له بعض الإسهامات المهمه فيما يُعرف بـ الكساد العظيم عام 1929ميلادي. وكان “كينز” يركز على ضرورة تدخل الحكومة للتأثير على حجم الطلب الكلي الفعلي ، فدعا إلى خفض الفائدة وزيادة الإنفاق الحكومي الإستهلاكي والإستثماري وتخفيض الضرائب في فترة الأزمة حتى يرتفع الحجم الكلي للطلب الفعّال والإستثمار .
ونادى بعكس ذلك حينما يصل النظام إلى مرحلة التوظيف الكامل وتلوح في الأفق مخاطر التضخم. وعلى الرغم من كثرة الحلول والمقترحات لعلاج الركود الاقتصادي إلا أن الركود يعم أنحاء المعموره، ومن هنا اتجهت بعض الدراسات إلى البحث عن وسائل في الاقتصاد الإسلامي في معالجة الركود الاقتصادي والحد منه وتبين من الدراسات أن من أهم الوسائل التي وضعها الإسلام لعلاج هذه المشكلة الاقتصادية التي يطال أثرها تلك البلاد التي يصيبها هذا الداء هي فريضة الزكاة.
لقد سبق ديننا الحنيف إسهامات كل الإقتصاديين في الحد من أزمة الإنكماش أو الركود الاقتصادي الحاد ،وقد أكد الاقتصاديون على ضرورة دعم أصحاب الدخول الضعيفة أصحاب النسبة العالية في التغير في الإستهلاك الناتج عن التغير في الدخل وهو ما يعرف بالمسمى الإقتصادي: بـالميل الحدي وهو ما أكد عليه الإقتصاديون إلى ضرورة أخذ أموال من أصحاب الميل الحدي المنخفض “الأغنياء” إلى أصحاب الميل الحدي المرتفع وهم الفقراء ومن هم في حكمهم.
ويأتي مصداقاً لذلك من حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه حين أرسله النبي ﷺ إلى اليمن يعلمهم أمر دينهم فقال له ﷺ: “إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول اللهِ ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم…الحديث”.
وعلى اعتبار أن حجم الإستهلاك يزيد مع أزدياد حجم الدخل وينقص بنقصانه وبالتالي فإن المستحقين للزكاة عندما يأخذون هذه الأموال فيضاعفون من حجم إستهلاكهم لأنهم دائماً في حاجة إلى إشباع رغباتهم الأمر الذي من شأنه أن يزيد في حجم الطلب الكلي.
هذا وأن الزكاة لا تقتصر في تأثيرها على الإستهلاك وحسب ، بل بالضرورة ستؤثر على الجانب الآخر وهم المنتجون الذين بدورهم يجب عليهم أن يواجهوا حجم الطلب المتزايد بزايدة إنتاجهم لمواكبة هذه الزيادة في الطلب وتستمر دورة الإنتاج ولا تتكدس السلع ، وبالتالي فإن الزكاة تخلق توازناً بين الإنتاج والطلب .
وتعتبر هذه المشكلة من أهم المشاكل التي تواجه الاقتصاد الرأس مالي وما ينتج عنها من أزمات اقتصادية كبيرة جداً مثل مشكلة الكساد وموجات الركود الحاده التي تصيب النشاط الإقتصادي والتي يرجع سببها الأساس في”ضعف الطلب مقابل العرض”.
ويصب أثر الزكاة كذلك على مشكلة رئيسة في اقتصاديات العالم ألا وهي “الإكتناز”. حيث شجعت هذه الفريضة على الإستثمار بطريقة غير مباشرة إذ أنها تحفز أصحاب رؤوس الأموال على إستثمار أموالهم وإلا تعرضوا للخسارة المادية مقابل ما يدفعونه سنوياً من الزكاة. ومصداقاً لذلك ،حدَّث ابن الأثير أن رسول اللهﷺ قال: “إتّجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة –وقيل- الزكاة “.
وعندما توجه أصحاب رؤوس الأموال إلى الإستثمار فإنهم بالضرورة بحاجة إلى عنصر العمل الأمر الذي من شأنه أن يحد من تفاقم نسبة البطالة وزيادة أفرادها كذلك أن توظيف هذه الأيدي العاملة سينشئ قوة إقتصادية جديدة لها حاجات ورغبات تود إشباعها مما يزيد في حجم الطلب الذي بالضرورة سينمي حجم الإنتاج لتستمر هذه الدورة الإنتاجية والكرة الثلجية الجميلة.
وعلى الرغم من المعلومات الشحيحة والدراسات المنشورة المطبقة على المملكة العربية السعودية في الزكاة والوقف إلا أن هناك أرقاماً تشير إلى الآفالملايين في الزكاة والوقف يفترض أن تكون إحدى الأدوات التي نواجه ونحارب بها مشكلتي الفقر والبطالة.
وللوصول الى النموذج المطروح والترشيد الأمثل لإنفاق هذه الثروات لابد من تطوير مؤسسة الزكاة والوقف عبر اقتصاد إسلامي يتسم بالوضوح والشفافية وإلزام الجميع بدفع الزكاة في صندوق وتفعيل الوقف كذلك لتوزيع هذه الثروات والأموال على المستحقين شرعاً بالعدل من أجل محاربة الفقر ودعم الجميع وبالأخص الفقراء ليكونوا مؤهلين للمساهمة في العملية الإنتاجية سواء على المستوى العام أو المستوى الخاص الذي يعتبر شريكاً أساسياً في إنجاح رؤية المملكة الطموحة، رؤية 2030.
إن الإهتمام بهذا الموضوع في إطار الرؤية يسهم في تعزيز وصيانة الأمن الإجتماعي والإقتصادي وتعظيم روابط العلاقات وإشاعة الأمن بين الناس. قال تعالى : ” خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها “.
ونحن كمسلمين في بلد قامت على تحكيم كتاب الله وسنة نبيه وفي ظل حكام لا يألون جهداً في تطبيق شعائر الإسلامي وفق الكتاب والسنة، نحن الأولى بتفعيل دور الزكاة والوقف، وهذه السلوكيات الحميدة التي تجسد رحمة وقوة ترابط المسلمين وتؤكد إيماننا بالله سبحانه وتمسكنا بسنة نبيه محمد ﷺ.
و للزكاة آثار كثيرة ليست على الصعيد الإقتصادي وحسب بل على أمور شتى ولكن أحببنا أن نبرز أثرها على الركود الإقتصادي. أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحفظ ولاة أمرنا ويديم علينا نعمة الأمن والإستقرار وأن يجعلنا من المتصدقين والمنفقين أموالهم في سبيل الله ولا يجعلنا من الممسكين البخلاء إنه سميع مجيب .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال