الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التستر جريمة بدأت بهبات ومنح ثم تكاسل وتهاون ثم استسهال للرزق ثم استسلام وهوان وانتهت باحتلال كامل واستجداء للحقوق. كان البعض يستقدم العامل ثم يتركه في الشارع مقابل مبلغ بسيط كل شهر ، أو يسلمه محل مقابل مبلغ أكبر قليلا .
تطور الحال بعد أن اصبحت العمالة الوافدة أغلبية وتسيطر على الاقتصاد ، فأصبح العامل نفسه يشتري المتستر بمبلغ زهيد شهريا مقابل (بطاقته) السعودية ثم يستخدمها بعد ذلك من خلال المؤسسة المتستر عليها غطاء للعمل كسعودي ، وبها يستقدم اقاربه وعمالته الخاصة ويسيّر كل تجارته على أنه سعودي ، والعامل الواحد يشتري عددا من (الخونة) حتى لا يعرف أحد حجم أعماله بتوسعه تحت اسم واحد ، بل يقوم بالتمويه من خلال استخدام اسم أكثر من سعودي حتى في المجال الواحد ويضع في فروعه الجديدة أحدا من أقاربه أو أصدقائه . بناء الاسثتمارات بناء عنقودي كبناء العصابات ، لأسباب اقتصادية وأمنية .
أين وصلت بنا خيانة التستر وما الذي سببته للوطن من ظلم يستوجب معاقبة ذلك الخائن بكل قسوة ؟ فأول ما يخون المتستر نفسه وكرامته . فكيف يقبل أن يأخذ إحسان من عامل يُفترض انه يعمل لديه ، وليت ما يأخذه يوازي ذلك الذل الشهري أو السنوي لكنه أقل من أن يرقع كرامته المهدرة .
والقصص الواقعية عن هذا الأمر أغرب من الخيال ، وما رأيته بعيني يكفي أن أسرده كدليل على حجم ذلك الذل ، سعودي يمر على ورش في الصناعية باسمه ليعطيه عمّال كل ورشة 100 ريال وعلبة دخان، وقد نبهني له صاحب ورشة سعودي يعمل فيها بنفسه يقول “ أنظر لهذا الـ … “ وصفه بكلمة قبيحة جدا ، وأخبرني أنه يمر على الورش كل شهر ليأخذ تلك المائة ريال وعلبة الدخان ورأيت ذلك بنفسي . حتى أولئك الذين يأخذون مبالغ أكبر بكثير من المئة وإن كان بالألوف شهريا فإنها تافهة جدا نسبة لما يحصل عليه العامل (السيد الخفي) .
أما ما يقع على الوطن من ظلم بسبب خيانة التستر فأكبر من أن يحتويها مقالي هذا ، وقد لخّص شيئا منها جمال خاشقجي في كتابة الشهير (احتلال السوق السعودي) . وهنا سوف أذكر رؤوس أقلام لبعض الجرائم التي تقع بسبب التستر .
أولها وأخطرها أن السوق السعودي أصبح تحت سيطرة العمالة الوافدة بالكامل ، وهو كما ذكر خاشقجي الاحتلال الذي لا يأتي بخير ، وها نحن منذ سنوات نحاول التحرر من ذلك الاحتلال دون جدوى ولا تظهر في الأفق بوادر تحرر ، فالمحتل الذي دفعنا له كرامتنا قبل أموالنا ليحتلنا لن يخرج بتلك السهولة التي دخل بها ولا بد من ضحايا من المواطنين الذين سهلوا لهم احتلالنا .
ويتبع تلك الكارثة وينتج عنها العديد من الكوارث ، مثل احتكار السلع والخدمات والسيطرة عليها ورفع أسعارها دون مبررات اقتصادية ، وهو ما حدث ويحدث دائما وما سيحدث مستقبلا لتعويض رفع أسعار الرسوم والضرائب ، التي يعتقد البعض أنه سيكون مبرر لتترك العمالة غنيمتها وهذا غير صحيح ولن يحدث ، لأن لديهم كل الأدوات والصلاحيات لتحويل كل تلك التكاليف على كاهل المواطن .
ومن نتائج التستر حرمان الشباب السعودي من الأعمال الحرة وجعل دخول سوق العمل الحر من المجازفات الخطيرة جدا ، فعندما تُخرج العمالة سعودي من محل لتستأجره دون أن يكون بيده شيء يفعله لدليل صريح على قوتهم في السوق وصعوبة منافستهم . بل إن التستر وصل لمنع الشباب من العمل في الشركات السعودية ، لأن تلك الشركات ليس لها من السعودة إلا اسم مالكها (المتستر) .
لكل ذلك فإن العوائد الحقيقية للاقتصادي السعودي في القطاعين المتوسط والصغير تصب في جيوب المحتلين ويتم تحويلها للخارج بالمليارات ، ولا يبقى في الوطن منها إلا الفتات . وفوق كل ذلك خلال إقامة (المحتل) يستغل كل الخدمات الحكومية والأهلية كما لو كان من أهل الوطن لأن أعماله كلها تتم تحت اسم (مجرم) سعودي (متستر) ، وبذلك يجعله يحصل على ما لا يستحق ويحرم منه ابن الوطن .
كل تلك المكاسب لم تُشبع المحتل الجشع فعمد إلى تكوين عصابات خطيرة جدا تدير مختلف الجرائم تحت اسم (سعودي) خائن . من سرقة الوقود وتهريبه ، ومندي لحم الكلاب ، ومزارع المجاري ، والسيارات المسروقة والمبيوعة كقطع غيار ، ومصانع الزيوت المغشوشة ، وتغيير تواريخ الصلاحية ، ومصانع المنتجات العالمية المقلدة ، وغسيل الأموال وتهريبها للخارج ، وعصابات سرقة النحاس والحديد وأدوات العمائر تحت الإنشاء ، والسطو على المعلومات فـى أجهزة الجوالات والتهديد بها ، وهذا غيظ من فيظ .
والكارثة في تلك الجرائم رغم ضخامتها وفداحة نتائجها لا يمكن كشفها بسهولة لأن دوائر حركة السلع والخدمات والأموال فيها تتم ضمن نطاق العمالة المحتلة للسوق ولا يعلم عنها (الخائن) شيء ، وكل ما يعرفه جرعته الشهرية ، ولولا الصدف البحتة لما انكشف ما انكشف منها . واعتقد أن ما ظهر من تلك الجرائم اقل القليل لغياب الرقيب الداخلي أو لعدم وجوده أصلا .
أطالب بتحميل كل جرائم العمالة الوافدة التي تتم تحت اسم سعودي (متستر) على ذلك الخائن لوطنه من اجل حفنة من الريالات ، وأن يكون عقابه أشد من عقاب العمالة فلولاه لما تمت تلك الجرائم بكل تلك السهولة ولما أصبحنا نستجدي حقوقنا من عمالة يفترض أنها تعمل لدينا، بل نتمنى أن نعيش بسلامة بعيدا عن تسلطهم وظلمهم .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال