الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتب الاخ فهد القاسم مقالا في هذه الصحيفة بعنوان “عصر الياقات البيضاء”، تناول فيه توسع الجهات الحكومية في التعاقد مع جهات استشارية بمبالغ طائلة تبلغ المليارات. وكما جاء في المقال، المشكلة ليست في التعاقد أو التوظيف ذاته، ولكن في وجود نقاط ضعف تتطلب معالجة لتقليل الضعف والأضرار الناتجة منها. وأرى أن تطوير هيئة الخبراء يساعد على تخفيف الأضرار وعلى رفع مستوى استفادة الأجهزة الحكومية من مشورة جهات استشارية خاصة.
مسمى هيئة الخبراء التابعة لمجلس الوزراء يحمل قدرا من التضليل. هي ليست هيئة لكل الخبراء والخبرات، بل هي هيئة للخبراء والمستشارين النظاميين أو القانونيين.
هناك حاجة ماسة إلى توسيع تخصصات الهيئة لتضم خبراء ومستشارين سعوديين على قدر عال من التأهيل العلمي والعملي في اختصاصات كثيرة، من هندسية وطبية وزراعية وحيوانية واقتصادية ومالية عامة وخاصة وإدارة حكومية وعلاقات دولية وغيرها.
السؤال التالي لماذا؟ المبررات كثيرة.
من نقاط الضعف في استعانة الجهات الحكومية بجهات استشارية خاصة وجود تعارض مصالح بين إدارة الجهة الحكومية وإعطاء مشورة حيادية.
وهنا انقل عبارات مختارة من مقال القاسم.
قال: “وأهم من الخبرة والمعرفة لدى المستشار، أن يتحلى بالنزاهة والأمانة” وقال: “المستشار مؤتمن، … وهذا هو الواجب على المستشار، ولكن -للاسف- ليست القاعدة”.
وقال: ” لكن تكون الطامة الكبرى عندما يتم استقطاب المستشار ليس للحاجة اليهم، إنما ليكونوا …الشمّاعة التي يُعلق الفشل عليها ان حدث، وللأسف أن هذا ديدن كثير من الجهات في القطاعين العام والخاص”. وقال القاسم “وأسوأ فئة يجب الحذر منها هم المستشارين الذين يربطون توصياتهم بقناعات مُتخذ القرار ويستشرفون رغباته ويزينون الدراسة للوصول الى النتيجة المستهدفه مسبقاً”.
وأحب أن أعلق على عبارته الأخيرة من تجرية شخصية لي.
استعانت بي قبل سنوات جهة حكومية للإشراف على قيام شركة استشارية عالمية بعمل تقرير مراجعة عن مدى تطبيق استراتيجية أعدتها تلك الشركة الاستشارية للجهة الحكومية قبل سنوات. حاولت القيام بعملي بحياد قدر استطاعتي. قلت لهم يجب ألا يمثل التقرير راي طرف من الأطراف، بل آراء جميع من لهم علاقة. ماذا حصل؟ لم يعجب رئيس تلك الجهة الحكومية وكبار مساعديه تقرير المراجعة عند عرض مسودته الأولى. لم تكن المشكلة الجوهرية أخطاء في المسودة يمكن تصحيحها، فكل ابن آدم خطاء، ولكن كانوا يرغبون في تقرير تتفق منهجية إعداده ونتائجه مسبقا مع رغباتهم وأهوائهم.
ما سبق ليس بغريب فقد زين للناس حب الشهوات. وروي عنه صلى الله عليه وسلم “أول ما تفقدون من دينكم الأمانة”، حديث صححه الألباني. وفي الصحيحين “….أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا. فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”.
لنفترض أن الهيئة تضمم مستشارين متنوعي التخصصات. ولنفترض أن التقرير السابق صدر منحازا، ولنفترض أن النظام يلزم تلك الجهة الحكومية بأن تراجع هيئة الخبراء التقرير قبل صدوره رسميا. اتوقع أن التقرير سيعدل ليكون أكثر موضوعية وأقل انحيازا.
مبرر أخر يجعل تطوير الهيئة أمرا مفيدا جدا.
تنوع تخصصات الهيئات الاستشارية للمجالس العليا كالبرلمانات ومجالس الوزراء هو ما تسير عليه الدول المتطورة إداريا. لم يقولوا نكتفي بالمتخصصين في اجهزة الحكومة، والسبب كثرة وجود نقاط ضعف أو نواقص غير قانونية (أي أن الصياغة قانوينا سليمة) في التنظيمات واللوائح التي ترفعها الجهات الحكومية إلى المجالس العليا كالوزراء. بعض نقاط الضعف صدرت عن تساهل أو ربما عمد، أي أن مسؤولي تلك الجهات يتساهلون في وضع لوائح تميل إلى خدمة مصالح فئة من الفئات. وبعض العيوب عن جهل وضعف مهني في تلك الأجهزة الحكومية. المشكلة أن مستشاري هيئة الخبراء وهم قانونيون لا يتمكنون من اكتشاف أو توقع تلك العيوب والنواقص. يكتشفها ويظهرها علنا من تتوفر فيهم صفتان: الأولى أن يكونوا متخصصين رفيعي المستوى في مجالاتهم. الثانية ألا يقعوا تحت تعارض مصالح، مثلا لا تكون لهم مصلحة خاصة لدى مسؤولي الجهة الحكومية صاحبة الشأن.
تزويد هيئة الخبراء بمستشارين متنوعي التخصصات ليس ابتداعا، فهو ما تطبقه المجالس الرفيعة المستوى في الدول الأخرى حيث تستعين بجيوش من المستشارين والخبراء في مجالات عمل تلك المجالس وهي مجالات تغطي فروعا كثيرة من المعرفة، ولا أظن أن هناك حاجة لسردها. من أمثل هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا الجهاز التشريعي فيها (الكونغرس) يخدمه فريق كبير من باحثين وخبراء ومستشارين في شتى التخصصات من قانونية وإدارية واقتصادية وهندسية وبيئية وصحية وزراعية وغيرها، تحت مسمى خدمات الكونغرس البحثية The Congressional Research Service (CRS)
ويبلغ عدد هؤلاء المستشارين بالمئات، موزعين حسب التخصص، ولا يخدمون ولا يقعون تحت ضغوط أي جهة غير الكونغرس. وقد وظف هؤلاء المستشارون بناء على توفر مؤهلات ومهارات عالية، كما أن ترقياتهم تخضع لضوابط واختبارات تقويمية صارمة.
وفي هذا أشير إلى أربعة أمور هامة:
الأول طرق اختيار المتخصصين وتقويم العاملين على الوظائف التخصصية في الحكومة وحسب نظام ولوائح الخدمة المدنية، به من العيوب ما لا يؤمل منه تحقيق الطموح السابق ذكره في مستوى المتخصصين، وهذا يتطلب مراجعة وتطوير ذلك التصنيف.
الثاني أن الجهاز الحكومي (السعودي) يعاني من انخفاض بين في أدائه المهني. وهناك أسباب عديدة لذلك الانخفاض في المستوى المهني، ولكن المقام ليس مناسبا لمناقشتها. ولا في طرح مقترحات لرفع المستوى المهني في الحكومة. ولكني أدعو من يعنيه الأمر كوزارة الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة لبحث هذه النقاط وعرضها للدراسة والنقاش، وإخضاعها للمقارنات الدولية، فالحكمة ضالة المؤمن.
الثالث جودة اختيار المتخصصين يجب أن تقابل بمزايا مادية مناسبة.
الرابع توظيف كفاءات من الجامعات متنوعة التخصصات لتعمل في الهيئة ولو بدوام جزئي، طبعا بعد التأكد من أهليتهم العلمية والعملية، بعيدا عن المحسوبيات. وبالله التوفيق،
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال