الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتميز شركات المحاماة الأمريكية الكبرى بتطبيق مبدأ Up or Out (الصعود أو الخروج) على المحامين الملتحقين بالعمل فيها، ولتوضيح هذا المبدأ تجدر الإشارة إلى أن المحامين في الشركات الأمريكية الكبرى بشكل عام على درجتين، شركاء Partners ، ومحامين مساعدين Associates. يطبق مبدا الصعود او الخروج على المحامين المساعدين، حيث إن فترة عمل المحامي المساعد في الشركة تمتد إلى سبع أو ثمان سنوات، بعد ذلك يقرر مجلس الشركاء في الشركة إما بترقية المحامي المساعد وإعلان انضمامه شريكا في الشركة، أو إخراجه من الشركة بشكل تلقائي.
فهمت هذا المبدأ ابتداء عند لقائي بالمحامين المساعدين هناك، فتجد الشخص يعرف باسمه أولا وبعد الحديث قليلا يقولك لك انا سنة أولى محامي مساعد First year Associate او سنة ثالثة محامي مساعد وهكذا، اختلاف السنوات يعني الاختلاف في الراتب والاختلاف في قيمة ساعة العمل التي تفوتر على العميل، والاختلاف أيضا في المستوى الإداري في فرق العمل.
من خلال احتكاكي بالمحامين المساعدين في الشركة، وجدت أثر مبدأ الصعود أو الخروج مؤثرا بشكل قوي على جميع تصرفاتهم، فخريج القانون بمجرد التحاقه بالشركة ونصب عينيه إما أن يكون شريكا في هذه الشركة بعد 8 سنوات تقريبا، أو انه سيترك الشركة، ولهذا تجده بين مخاطرة الخروج والامل في البقاء كشريك، مع العلم أن معايير البقاء كشريك معلنة وواضحة بشكل مفصل ودقيق وخاضعة للتصويت من قبل مجلس الشركاء الذي يجتمع بشكل سنوي، وهذا حافز قوي جدا للعمل والانتاجية والمثابرة والتدريب والتعاون، بل ومحاولة جلب عملاء جدد للشركة من خلال تطوير مهاراته التسويقية والاجتماعية وليس الاكتفاء فقط بالمهارات القانونية.
في السنة الخامسة تقريبا، تبدا التلميحات من قبل مجلس الشركاء للمحامين المساعدين الذين قطع في امرهم انهم لن يكونوا الشركاء بان الأفضل لهم أن يجدو مكانا خارج الشركة، وبالفعل تبدا تسمع بالاستقالات من السنة الخامسة أو قبل ذلك، قد يتجه لشركة محاماة أخرى او العمل في الحكومة، أو التدريس في الجامعة، او العمل كمستشار عام في إحدى الشركات.
كانت لدي بعض الإشكالات حول هذا المبدأ، ابقيتها في نفسي الى أن جد الفرصة المناسبة لأناقش فيها الشريك الذي اعمل في فريقه، في إحدى رحلات العمل، والتي يكثر فيها أوقات الحديث البعيدة عن الرسمية، تحدثت معه عن مبدأ الصعود او الخروج وعن فهمي له وإيجابياته، والتي من أهمها إيجاد حافز للمحامي بمجرد التحاقه بالشركة على العمل الدؤوب والانجاز والتطوير، وكذلك وجود عملية تصفية دقيقة تستمر عدة سنوات لضمان انضمام أفضل المحامين لمجموعة الشركاء، لكن هناك بعض الإشكالات لم أفهمها.
قال لي تفضل ما هي، قلت بعد مرور سبع سنوات من التدريب والعمل والانسجام مع المحامي المساعد، لنفترض أنه لا يصلح أن يكون شريكا، لكن لماذا لا تبقون هذا المحامي في الشركة كمحامي مساعد على نفس الراتب والدرجة، دون اللجوء إلى إخراجه من الشركة، والاضطرار إلى بدء العجلة من جديد، والصرف من الوقت والمال على تدريب المحامي وتطويره، وانتظار دورة قد تستغرق سبع سنوات أخرى للوصول إلى نفس مستوى المحامي السابق الذي قد تم إخراجه، بعبارة أخرى، أنا أفهم الصعود لكن لماذا الخروج؟.
أجابني كلامك سليم، لكنك أغفلت في تحليلك جانبا مهما جدا بالنسبة لنا كشركاء وقادة في الشركة، قلت وما هو، قال الجانب المهم هو ضمان وجود جيل جديد ذو كفاءة وجدارة على تحمل قيادة الشركة في المستقبل بعد تقاعد الشركاء الحاليين. قلت ارجو التوضيح أكثر، قال ذلك المحامي المساعد الذي وصل السنة السابعة وقرر الشركاء عدم إلحاقه في الشراكة، رغم كفاءته المهنية وإنتاجه العملي، هذا القرار بناء على عدم كفاءته الإدارية او قدرته على جلب عملاء جدد أو غيرها من الأسباب التي تجعله غير ملائم ليكون ضمن قيادة الشركة، لو أبقينا هذا المحامي مع تكلفته العالية على الشركة، سيعيقنا عن إدخال محامين جدد قد يكونوا شركاء في المستقبل، وبالتالي فإن هذه الدائرة التي توصلنا إلى المحامين الأكفاء القادرين على القيادة ستقف عن العمل، ومن ثم بعد 20 سنة مثلا، وقد تقاعد بعض الشركاء او خرج البعض لسبب او اخر قد تنهار الشركة او على الأقل تعجز عن الاستمرار بنفس المستوى التي كانت عليه.
كلام الشريك فسر لي طول عمر شركات المحاماة الامريكية وكذلك البريطانية، (هذه الشركة مثلا عمرها مائة سنة منذ التأسيس) في حين شركات المحاماة في الشرق الأوسط على أحسن حال تنتهي بموت أحد الشركاء إن لم تنتهي وهم أحياء.
إن من أهم ما يفكر به قادة الشركات الدولية الكبرى (ومنها شركات المحاماة)، هو تهيئة جيل جديد من القادة بعدهم، وإن كلفهم ذلك الجهد والوقت والمال، لضمان استمرار وديمومة ونجاح شركاتهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال