الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حسب علمي لم ينل موضوع اقتصادي في المملكة من النقاش والبحث والصراع الفكري الاقتصادي والإهتمام على المستويين الشعبي والتخصصي ما ناله موضوع خصخصة شركة أرامكو . وأرامكوا بقامتها الاقتصادية عالميا وأهميتها محليا تستحق كل ذلك الجدل وأكثر منه، بل إن الموضوع برأيي لم يأخذ حقه بعد من البحث والتحليل والدراسة . كما حضيت شركة أرامكوا بإهتمام عالمي كبير جدا يعكس المكانة التي تمثلها كأهم شركات النفط في العالم ووريثة الأخوات السبع .
إنصب البحث خارجيا عن خصخصة “أرامكو” حول تقييمها بناء على ما تملكه من أصول مادية واحتياط نفطي وما عليها من ضرائب وتكاليف أخرى ، من أجل الوصول للسعر العادل لها وما يساويه 5% منها إذا تم طرحه في الأسواق العالمية . بينما كان جل النقاش الداخلي عن جدوى خصخصة الشركة من عدمه ، وهل من الأفضل لنا خصخصتها أم لا ، مع الأخذ بعين الإعتبار تقييم الشركة حسب الدراسات العالمية وما أعلنته بعض وكالات الأنباء المتخصصة .
إنقسم الرأي الداخلي عن خصخصة أرامكو إلى قسمين رئيسيين ، الأول مع الخصخصة قلبا وقالبا . وأصحاب هذا الرأي بنوا وجهة نظرهم على أن النفط سيفقد أهميتة تدريجيا خلال الخمسين سنة القادمة ، وأن الخصخصة الأن تعني الإستفادة من أعلى سعر بيع ممكن . كما يرون أن التمسك بـ “أرامكو” يعني أن يبقى الاقتصاد السعودي مرهونا بالنفط ولن نستطيع تنويع مصادر الدخل في ظل تمسكنا “أرامكو” والنفط ، ويرى أصحاب هذا الرأي أن العائد من خصخصة “أرامكو” هو المصدر الأساسي لبناء مصادر أخرى للدخل. ويرون الخسارة الأكبر إن بقينا متمسكين بـ “أرامكو” مع تراجع الإعتماد على النفط حتى تفقد قيمتها الحقيقية ونكون عاجزين عن تمويل مشاريعنا الأخرى .
ويرى أصحاب هذا الرأي أن خصخصة “أرامكو” ستكسبها مزيدا من الخبرة في الإدارة والتقنية ، وستفتح لها مزيدا من الأسواق بعيدا عن المشاكل السياسية . ويعتقدون أن الشركة ستستفيد من شفافية الرقابة خارجيا وداخليا . وأخيرا يعتقد أصحاب هذا الرأي أن خصخصة جزء من شركة أرامكو لا يعني بيع ما تحت الأرض من ثروة نفطية وغاز ، لأنها ملك للدولة و”أرامكو” مجرد مستثمر لها حق الإمتياز .
أما أصحاب الرأي المعارض فإنهم يستندون إلى نظرية إستحالة فقدان النفط لأهميته مهما حدث من تقدم ومهما اشتدت منافسة النفط الصخري والرملي ، والدليل أن الفحم مازال يكتسب أهمية عالمية مع وجود النفط والغاز ووسائل الطاقة النظيفة الأخرى . ومشكلة التخلي عن النفط تكمن في أمرين ، إما نضوبه بسبب استنزافه الجائر لمنافسة المنتجين الأخرين ، ويدعون إلى وجوب الحفاظ على أهم مصادر الطاقة في العالم ، وأنه سيأتي اليوم الذي يصبح الباقي من هذا النفط ثمينا جدا جدا بل لا يقدر بثمن ، وأننا ببيعه الأن نعتدي على حق الأجيال القادمة في ثروة عظيمة تستنزف الأن بثمن بخس .
الحالة الثانية التي يمكن أن يتم فيه التخلي عن النفط أن يصبح استخراجه مكلفا جدا يفوق العائد منه ، وهو ما أسماه أستاذنا أنور أبو العلا بالنضوب الاقتصادي . ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن “أرامكو” بما تملكه من إمتياز على الثروة النفطية والغاز تحت الأرض تمثل ثروة قومية يجب عدم التفريط فيها ، وإعادة الغير للسيطرة عليها بعد أن إستطعنا علي مدى عقود إخراجهم منها . كما يرون أن كل المشاريع التي ترغب الحكومة تنفيذها وتنويع مصادر الدخل التي تتحدث عنها يمكن أن تتم دون التخلي عن أهم ثروة طبيعية يملكها الوطن . والحديث عن 5% فقط ولا تشمل ما تحت الأرض كلام غير منطقي ، وأن المستثمر الجديد لن يغامر بالإستثمار في “أرامكو” مالم يكن واثقا من ربحه ، وهذا لن يكن بدون إستغلال أكبر قدر ممكن من مخزون النفط تحت الأرض ، وذلك ما ينفي نظرية أن الخصخصة لا تشمل المخزون النفطي .
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الإنتقال من إستثمارات مضمونة إلى إستثمارات غير مضمونة يخلو من الحكمة الاقتصادية ، ويشددون على أن بناء الإنسان والإستثمار فيه هو المصدر الأهم بعد النفط في سبيل تنوع مصادر الدخل ، وهذا لا يستدعي التخلي عن الثروة الوطنية الأهم وهي النفط . الشيء الوحيد الذي إتفق فيه الطرفان أن التقديرات التي أُعلنت لا تمثل القيمة العادلة لـ”أرامكو” سواء 400 مليار قبل خفض الضريبة إلى 50% أو 1400 مليار بعد خفض الضريبة ، وأن القيمة العادلة لأكبر شركة نفط في العالم والتي تمتلك أكبر إحتياطي مؤكد أعلى من ذلك الرقم بكثير ويجب عدم التفريط فيها بذلك الثمن البخس ، وقارنها البعض بشركات التقنية التي تمثل أحد أخطر مجالات الإستثمار مع ذلك تقيم بأرقام فلكية كعلي بابا .
على كل حال جميل جدا هذا النقاش وثري بالمعلومات وقد أثرى الثقافة النفطية للمجتمع السعودي بعد أكثر من 80 سنة من اكتشاف النفط . لكني اعتقد أن هذا المنتدى الوطني عن خصخصة “أرامكو” قد تأخر كثيرا وليس له أي قيمة عملية ، لأنه جاء بعد اتخاذ قرار الخصخصة وأعلن وأتخذت كل الإجراءات الرسمية لتنفيذه ولم يعد لما يقال أي أثر يذكر . ماذا لو أن هذا الجدل العلمي كان قبل إعلان الخصخصة ؟؟ ماذا لو أن مراكزنا البحثية استبقت المراكز العالمية وحددت القيمة التقديرية لـ”أرامكو” بما تستحقه فعلا ؟ ماذا لو أن باحثينا قدموا تصورات كاملة عن إيجابيات وسلبيات بيع أهم ثرواتنا ؟ التساؤلات كثيرة وقد فات أوانها للأسف …
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال