الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مقاله في صحيفة الاقتصادية في عددها (8579) الصادر بتاريخ 7 ابريل 2017 الذي عنونه بـ(هل تستحق المنشآت الصغيرة والمتوسطة الدعم؟) لفت د.طلال الجديبي الانتباه إلى سؤال مهم: هل فعلاً تستحق المنشآت الصغيرة والمتوسطة كل هذا الدعم؟ والمبرر لهذا التساؤل أو السؤال المعاكس؛ ما ورد في مضمون المقال، وهو: ألا يمكن أن ننشيء بهذا الدعم “سابك” ثانية وثالثة ورابعة؟.
في الواقع: فإن وجود المنشآت الكبيرة له تأثيره البارز على كافة الأصعدة والمستويات يتمثل أهمها فيما يلي:
أولاً: تقديم السلع والخدمات بجودة عالية وإمكانات متعددة تضمن للمستهلك وللعميل استخدام واستهلاك أجود وآخر ما تنتجه المصانع الكبيرة وخطوط الإنتاج ذات الخبرة.
ثانياً: الإسهام الصلب في الاقتصاد الداخلي والناتج المحلي بما يمكنه من تجاوز الضربات الاقتصادية والتعاطي مع الأزمات والكوارث بأقل الخسائر وبالحد الأدنى من الأضرار، وهو ما لا يمكن أن تتحمله المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي يمكن أن تنهار عند أدنى عقبة وتنهار معها القيمة الاقتصادية المحلية كنتجية تراكمية للعدد الكبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة المتأثرة أو المنهارة.
ثالثاً: القيمة السياسية والاجتماعية والجغرافية التي تضيفها المنشآت الكبيرة للدولة وللمجتمع وللموقع الجغرافـي على الخارطة الدولية والمشهد العالمي والمفاوضات السياسية، وهكذا استطاعت شركات عالمية كبرى تديرها أو تمتلكها أو تتحكم في خياراتها دولة كالصين أن تؤثر على القرار الأمريكي على الصعيد السياسي، وهكذا أيضاً استطاعت شركات كبرى بدعم سياسي واستراتيجي كأرامكو السعودية أن تجعل من وزارء خارجية دول ذات ثقل إقليمي أو عالمي أن يهرولوا لكسب موقف سياسي لتمرير المصالح الاقتصادية والأنشطة التجارية.
رابعاً: بوسع المنشآت الكبرى أن تنمو بشكل أسرع من مجموع ما تعادله إياها تلك الصغيرة والمتوسطة، فلو افترضنا أن إسهام المنشآت الصغيرة بما مجموعه 20 ٪ في إجمالي الناتج المحلي، بينما تسهم الكبرى بما لا يتجاوز النصف فقط من هذه النسبة، فإن نسبة النمو هي الأخرى على الضعف من نسبة نمو إسهام الصغيرة والمتوسطة، ما يعني أن دعم المنشآت الكبيرة كخيار استراتيجي أجدى عائداً على التنمية الوطنية من تلك الصغيرة والمتوسطة بطيئة النمو.
إلا أن هذه التأثيرات الإيجابية للمنشآت الكبرى ليست على الإطلاق، ولا يحسن الانكفاء عليها في كل الأحوال.
إذاً ما الذي يمكن أن تفرزه المنشآت الكبيرة على المدى البعيد من تأثيرات سلبية تتطلب الالتفات عنها –قليلاً- إلى المنشآت الأصغر حجماً وإمكانيات؟ .
إن أبرز ما يمكن أن تؤثر فيه المنشآت الكبرى سلباً على السوق؛ هو الاحتكار وتحجيم المشاركة المجتمعية والفردية في تقديم السلع والخدمات، كما أن الجودة التراكمية التي تحققها المنشآت الكبيرة يمكن أن تتراجع بفعل تراجع خيارات المستهلكين والعملاء وبالتالي انعدام الحافز لتقديم الجودة الأعلى بالسعر الأقل، لذا فإن أهم ما يمكن أن تخلقه المنشآت الصغيرة والمتوسطة في واقع السوق على المدى البعيد –وربما المتوسط-هو فرض حالة من التنافسية الإيجابية والحرية السلعية والخدمية لملاحقة العميل وتوفير البدائل والخيارات الأقل سعراً والأمثل تعاملاً، بل وتجزئة الخيارات السلعية والخدمية التي باتت اليوم ضرورة سلوكية بعد عقود من الترف الاستهلاكي.
ما أثاره د.طلال في مقاله، كان سؤالاً ملحّاً جداً؛ فهل ما تحتاجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة فعلاً هو المال “فقط”؟
وما فائدة الدعم المالي في ظل انخفاض المنفعة المادية العائدة من هذا الدعم مقارنة بالمنشآت الكبيرة، وهل العائد المتمثل بخلق الفرص واستيعاب المزيد من أعداد البطالة متوفر في الصغيرة والمتوسطة أم أن الأقدر –في الحقيقة- على خلق الفرص وتوليد الوظائف هي تلك الكبيرة بفضل ماتمتلكه من إمكانيات التدريب والتطوير وما توفره من فرص الاحتكاك بالخبرات والكفاءات الجديرة بنقل المعرفة؟
أم أن العائد من دعم الصغيرة والمتوسطة هو تنمية الناتج القومي في ظل تمتع المنشآت الكبيرة بقدرة مذهلة على امتصاص الصدمات الاقتصادية وإدارة المخاطر والأزمات والنمو المتسارع في دعم الناتج المحلي.
في نظري إذاً أن أهم عوائد المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو (تعزيز المنافسة الحرة وتوفير الخيارات والبدائل المتعددة) هذا أولاً.
وثانياً هو (جرأة المنشآت الأصغر حجماً على المخاطرة بأفكار نوعية والمتعطشة لتكوين أسماءها وعلاماتها التجارية في الذهنية العامة)؛ لانخفاض نسبة مخاطرها وموجوداتها والتزاماتها المالية والتعاقدية، ولحاجتها إلى الأفكار الإبداعية وربما المجنونة لمنافسة عمالقة السوق.
وهو ما يعزز ريادة الأعمال ويتيح لشباب وسيدات الأعمال المساحة المرنة للتفكير الحر والخروج عن النسق الصندوقي في التجارة والتسويق.
يمكن القول أن هذين السببين هما أهم ما يشجع تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وهما كافيان لدعمها استراتيحياً وفكرياً وتنموياً لتمكين دخولها إلى نادي المنشآت العملاقة بحيث يكون الدعم اللوجستي منصباً على دفع الصغيرة لمنافسة المتوسطة –وربما الكبيرة- والمتوسطة لمنافسة الكبيرة.
وهنا مربط الفرس: الدعم اللوجستي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة يجب أن يهدف إلى تمكينها من منافسة المنشآت الكبيرة، أما ضخ السيولة النقدية لمجرد إبقاءها في السوق -مبعثرة وبعيدة عن المنافسة ومجرّدة من أدنى أدوات الفكر الإداري والريادي- فربما أثبت التحليل أن المنشآت الكبيرة كانت أجدر بالاستثمار فيها وتأسيسها من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال