الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كشفت التجارب الحديثة أن الفيل لا يخاف من الفأر كما كان يعتقد الناس لزمن طويل جدا ، حيث كان يعتقد أن الفيل يخاف من دخول الفأر لخرطومه . لكن التجارب الحديثة أثبتت أن الفيل لا يخاف من الفأر بل من الحركة السريعة التي لا يعرف مصدرها فسمعه قوي ونظره ضعيف ، وتلك الحركة السريعة للقوارض تربكه ويخشى أن تكون لحيوان كبير ، ذلك كل ما في الأمر . معلومة قد تفيد البعض لكنها لن تفيدا كثيرا إداراتنا الحكومية التي مازالت تصر أن الفأر أضخم من الفيل .
من القواعد المحاسبية في الرقابة أن ٨٠٪ من الرقابة يمكننا الحصول عليها بـ ٢٠٪ من التكلفة ، وللحصول على الـ ٢٠٪ الباقية من الرقابة يجب أن ننفق ٨٠٪ من التكلفة . فالرقابة الكاملة أمر مكلف جدا وغير مجدي ويحقق نتائج عكسية في الغالب . لذلك تركز الأجهزة الرقابية المحترفة التي تسعى لتحقيق أعلى درجات النجاح على الجوانب المهمة والمفصلية ، والتغاضي عن البسيطة وغير المهمة. لكن يبدو أن بعض أجهزتنا الرسمية تقوم بالعكس .
من عجائب بعض المؤسسات الرسمية أنها تركز في الرقابة على الجوانب الفرعية البسيطة وتظهر تشددها في تلك الأمور في وسائل الإعلام ، حتى ليخيل للمتابع أن تلك الإدارات وصلت من إتقان العمل والضبط الرقابي درجة لم يعد ينقصها إلا تلك الأمور البسيطة. في حين أن المجتمع بأكمله يدرك حجم المشاكل الإدارية والرقابية التي تعانيها من تلك الإدارات ، ولست أدري سبب تشدد قيادات تلك الإدارات في الأمور البسيطة ؟ ومن يريدون خداعه ؟
الإدارات الحكومية التي تمارس ذلك التضخيم للأمور البسيطة في الجوانب الرقابية كثيرة، لكن ما دعاني لكتابة هذا المقال التصريحات النارية التي أطلقتها بعض القيادات الكبيرة في وزارة التعليم عن غياب الطلاب في أخر يوم أو يومين قبل إجازة منتصف الفصل الثاني ، وكأن ذلك الغياب هو ما سيهدم العملية التعليمية الدقيقة جدا والتي لا تقبل أي خلل .
نعم الإنضاط حتى أخر لحظة في اليوم الدراسي مطلب شعبي ورسمي ودليل تقدم ورقي ونجاح إداري ، لكن أن نتغافل عن المشاكل الكبيرة في التعليم ونتجاهلها إلا بتصاريح باردة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا نظهر نحوها أي صرامة وتشدد ، في المقابل نظهر كل ذلك الهجوم الشرس على غياب ذلك اليوم وتصويره على أنه كل التعليم فهناك خلل قطعا . المضحك أن الطلاب وأولياء أمورهم لا يصدقون كل ذلك الصراخ .
فأين ٧ مليار لتطوير العلوم والرياضيات؟
أين ٨٠ مليار لتطوير التعليم ؟
أين مليارات إنشاء مدارس بدل المدارس المستأجرة ؟
وأين التوسع في فتح المدارس للتخفيف من تكدس الطلاب في الفصول ؟
أين تطوير المناهج الذي نسمع عنه من سنين ولم يتحقق منه إلا طبعات جديدة لمناهج قديمة ؟
أين تطوير المعلمين بالتدريب المستمر على أعلى المستويات وليس التدريب الشكلي من قبيل حفظ بعض النظريات وتسميعها لهم ؟
أين مليارات الصيانة وبعض المدارس مغلقة للصيانة من سنوات للصيانة والطلاب متكدسون في مباني من غير ساحات ولا وسائل سلامة ؟
أين الميزانيات التشغيلية حتى مع قلتها لا تصل المدراس إلا متأخرة وبعض المدارس لا يصلها شيء؟ أين الوسائل التعليمية ؟
أين المعامل والمكتبات ومصادر التعلم المفيدة فعلا ؟
أين البيئية التعليمية الجاذبة للطالب والمعلم على حد سواء؟
لماذا تظل المدارس تنفق على إحتياجاتها من جيوب المعلمين وهم يسمعون عن المليارات التي تنفق على التعليم؟
أين تذهب ملايين الرعاية للبرامج الوقائية والعلاجية كبرنامج فطن ؟
وجميع ما يتم في المدارس بتبرع من المعلمين إما بعملهم في تلك البرامج تطوعا وتنفيذ كل متطلباتها من جيوبهم أو بتكليف الطلاب وأولياء الأمور . المشاكل في التعليم كثيرة ولو أردت الإستطراد في هذا الأمر لظهر المقال وكأنه مخصص لمشاكل التعليم فقط .
الحقيقة أن تضخيم الأخطاء البسيطة ومتابعتها وكأنها كل شيء والتجاهل عن المشاكل الكبيرة وكأنها لاشيء منتشرة في معــظم الإدارات الحكومية وشبه الحكومية . تسرب المياة تحت الأرض بسبب سوء الشبكة بملايين الأطنان مسألة بسيطة يمكن الصبر عليها سنوات أخرى ، أما تسرب ليترات من الماء من حوش أحدهم بعد أيام من الغبار هو ما يزعج شركة المياه، بحجة إفساد الشارع الذي لا يوجد به تصريف مياه بسبب عدم تأسيس مشاريع تصريف رغم ما صرف على تلك المشاريع من المليارات من عشرات السنين.
المشاريع المتعثرة بسبب الفساد تكلف الوطن مئات المليارات من الريالات سنويا لكن المهم الحفاظ على ما يستهلكه المواطن من الوقود برفع سعر البنزين ، بغض النظر عن عدم وجود وسائل للنقل العام .
يبدو أن المجهر الرقابي عندنا قوي جدا لدرجة أنه لا يرى إلا الصغائر من الفأر فما دون، أما الفيلة وما فوقها فهم خارج مجال رؤيتها . أتساءل لو أن مسؤولينا يشددون على كبار الأمور رقابيا وتهديدا كما يفعلون مع تلك الأمور البسيطة كيف سيكون حالنا ؟ سنفوق الألمان قطعا .
تمر الفيلة وتدمر كل شيء في طريقها ونحن نطارد الفئران .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال