3666 144 055
[email protected]
يعيش الشارع الاقتصادي السعودي هذه الأيام حالة من التفاؤل الحذر. إلا أن ثقة الحكومة بـ “الرؤية” وإرهاصات الانفراج والتغيير الحاصل في الاقتصاد دفعتها لمراجعة قرارها بإيقاف بدلات موظفي الدولة وإعادتها إلى ما كانت عليه. فالبرامج اللازمة لإعادة هيكلة المصروفات والدعم باتت مفعلة وهي تدخل حيز التنفيذ تدريجيا بشكل يعدل من التشوهات التي لحقت بالاقتصاد على مدى عقود من اعتماده على النفط والعمالة الرخيصة. ثقة الحكومة نابعة من بعد آخر هو عودة الإنفاق الحكومي الرأسمالي المرتقبة ببرنامج استثماري غير مسبوق. فالاقتصاد السعودي بكل قطاعاته العامة والخاصة يعتمد بالمجمل على الإنفاق الحكومي الجاري في شكل الرواتب إضافة إلى المشاريع التي يتم اعتمادها.
في لقاء مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وضح أن مشروع القدية هو باكورة برنامج استثماري محلي يقوده صندوق الاستثمارات العامة. هذا الجهاز الحكومي سيعمل على إعادة رسم المحفظة الاستثمارية للاقتصاد السعودي كاملا، كما فعل في الطفرة النفطية الأولى حينما أسس شركات البتروكيماويات والأسمنت والمصارف في السبعينيات والثمانينيات. استثمارات الصندوق ستركز على قطاعات اقتصادية واعدة ولكنها غير مستغلة حاليا، تتنوع بين الصناعات التقليدية الثقيلة مثل الغاز الطبيعي والخدمات اللوجستية والتعدين والصناعات الأصغر حجما التي ستسهم في زيادة المحتوى المحلي لمنتجات الصناعات السابقة.
إضافة إلى ذلك فإن خطة التنويع تهدف إلى الاستثمار في قطاعات يتزايد الطلب عليها من كل قطاعات الاقتصاد السعودي، حيث تشكل مشتريات الاقتصاد السعودي منها نحو نصف النقد الأجنبي الخارج من الاقتصاد، وهي السياحة والسيارات والمعدات العسكرية. وبالتالي يسهل إنشاء أنشطة تجارية محلية تعمل على تلبية هذا الطلب للحفاظ على النقد الأجنبي واستثماره داخل البلاد. التأسيس لكل هذه الصناعات سيكفل للاقتصاد السعودي تنويع مصادر دخله بعيدا عن النفط، بل إن مجرد البدء بإرساء قواعدها سيعمل على تحريك الركود الذي يمر به الناتج المحلي غير النفطي والقطاع الخاص. ويمكن كذلك اعتماد مستويات عالية من التقنية والأتمتة لخلق وظائف تحتاج إلى مهارات عالية ومواءمة تلك الوظائف مع مخرجات الكليات التقنية لحل مشكلة البطالة بدلا من الاعتماد على صناعات اليد العاملة الرخيصة.
كل ما سبق ذكره من إمكانات هائلة للاقتصاد السعودي معروف للجميع، ولكن تفعيله في حاجة إلى خبرات واستثمارات هائلة. ونظرا لحداثة هذه القطاعات فقد آثرت الحكومة عبر صندوق الاستثمارات العامة أن تضع اللبنة الأولى للاستثمار، لتمهد الطريق أمام الاستثمار الأجنبي للدخول بخبراته وموارده لاحقا. وحتى يوفر الصندوق الاستثمارات اللازمة للنهوض بهذه القطاعات بسرعة كافية لحماية الاقتصاد السعودي من تقلبات أسعار النفط، جاءت الفكرة بالطرح الأولي لشركة أرامكو. فمتحصلات الاكتتاب من أكثر قطاعات الاقتصاد السعودي نضجا ــ وهو القطاع النفطي ــ ستصب في أنشطة واعدة ستعوض عند نموها الحصة المطروحة من “أرامكو”. فمضاعف القيمة للاستثمارات الواعدة يفوق دائما العائد على الاستثمار في الأنشطة الناضجة حتى بعد أخذ مستوى المخاطر في الاعتبار. التجربة الصعبة التي مر بها الاقتصاد السعودي في عام 2016 عندما توقف الإنفاق الحكومي هي الدافع وراء الإقدام على أخذ مزيد من المخاطر في محفظة قطاعات الاقتصاد السعودي إضافة إلى التحديات والاحتياجات المستقبلية للمواطن السعودي.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734