الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أطلقت رؤية المملكة 2030 وحددت ملامح رحلة التغيير الجذري والطموح للوضع الاقتصادي والاجتماعي في المملكة. وفي وقت لاحق، تم الإعلان عن برنامج التحول الوطني 2020 الذي ينص على التعهد بالتزامات محددة من الوزارات الحكومية والقطاعات الأخرى وتنفيذ مبادرات البرنامج لفترة تصل إلى عام 2020. وفي بداية هذا العام، تم إطلاق برنامج تحقيق التوازن المالي (موازنة متوازنة في 2020) وهو أحد البرامج الأساسية لتحقيق رؤية المملكة 2030. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز الإدارة المالية وإعادة هيكلة الوضع المالي للمملكة واستحداث آليات مختلفة لمراجعة الإيرادات، والنفقات، والعمل على تحسين الأداء الحكومي، وضمان استدامة التوازن المالي بتحقيق موازنة متوازنة بحلول عام 2020 تكون فيها الإيرادات العامة مساوية للنفقات العامة من خلال محاور عدة، من بينها:
إصلاح أسعار منتجات الطاقة والمياه، كما جاء في وثيقة البرنامج، وذلك برفع الأسعار تدريجيًا عن المنتجات، حيث ان مستويات الأسعار الحالية تعتبر ميزة تنافسية للمملكة، وبالتالي ربطها بأسعار التصدير العالمية سيفقدها هذه الميزة التنافسية، وبالتالي عدم الاستفادة من تكلفة الفرصة البديلة التي كانت تضيع على المملكة، وهي فرصة تحصيل السعر الأمثل لمواردها الطبيعية.
وتعرف منتجات الطاقة أو ما يطلق عليه اسم اللقيم (Feedstock) والطاقة بأنها المادة الخام المستخدمة في المصانع والمعامل إما للصناعة أو للوقود، وهي ذات أهمية كبرى للصناعة وللقطاع الصناعي السعودي بوجه عام. ومن المواد التي تندرج تحت هذا التصنيف الغاز الطبيعي، والنفط، والكهرباء، وغاز البيوتان المسال، والغازات الأخرى، مثل الايثان وغيرها. وكما هو معلوم، فإن توافر اللقيم بكميات وافرة لإمداد الصناعة وانتظامها وسهولة الحصول عليه يعتبر من العوامل المهمة والمؤثرة في نجاح المصنع، كما أن انخفاض تكلفة اللقيم والطاقة تعتبر أحد غايات المصانع لتعزيز قدرتها التنافسية.
ويتوقع أن يؤدي تعديل أسعار منتجات الطاقة إلى آثار كبيرة جدًا على تكاليف الصناعة، وبخاصة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة؛ فالقطاع الصناعي يتأثر كثيرًا بالمنافسة الخارجية؛ حيث يرى كثير من رجال الأعمال والمهتمون بالشأن الصناعي بأن رفع أسعار منتجات الطاقة سيؤدي حتمًا الى زيادة تكاليف الإنتاج، وهنالك قطاعات قد تكون أكثر تضررًا من غيرها، مثل قطاع البتروكيماويات، حيث سيكون من الصعوبة رفع أسعار منتجات الصناعات البتروكيماوية لدواعي التنافسية، مما سيترك آثاره على الربحية والنمو.
وإذا كانت الركائز التنافسية للصناعات التحويلية في المملكة العربية السعودية تتمثل في الطاقة، واليد العاملة الماهرة، والمواد الخام المحلية، وإيجار الأراضي المخدومة، وحوافز التصدير، وسهولة القوانين والاجراءات، فإن مقارنة بسيطة بين الواقع الراهن لأسعار بعض هذه العوامل، وما ستكون عليه بعد رفع أسعارها، وبين المتوسطات العالمية، يتضح أن أسعار منتجات الطاقة بعد رفعها في المملكة سيكون أعلى من المتوسطات العالمية لبعض الدول المنافسة للمملكة العربية السعودية كما هو الحال بالنسبة لأسعار الطاقة (الكهرباء: كيلوواط / ساعة)، والتي تتراوح أسعارها حاليًا بين 5 هللات إلى 18 هللة، يتوقع أن يصل سعرها بين 25 الى 30 هللة في نهاية برنامج التوازن، مقارنة بالمتوسط العالمي (20 هللة فقط). كما ان أسعار اللقيم للصناعة متوقع انها سترتفع بنسبة 80 الى 100 % في نهاية برنامج التوازن.
هذا بالإضافة الى عدم وضوح في الرؤية لبعض مؤشرات التنافسية، مثل أسعار المواد الخام المحلية، وإيجارات الأراضي المخدومة، وحوافز التصدير، وسهولة الإجراءات والقوانين، المزمع تطبيقها في المملكة، مع وضوحها بالنسبة لبعض الدول المنافسة في المنطقة، كما في حالتي تركيا والإمارات؛ فبالنسبة لهذه الدول، هنالك أسعار تفضيلية بالنسبة للمواد الخام المحلية، بالإضافة إلى الاعفاءات الضريبية، والرسوم الحمائية، وتوافر مظلة واحدة.
وبالأخذ في الاعتبار تكاليف عاملين مهمين وهما أسعار المواد الخام والطاقة كنسبة من إجمالي تكاليف التشغيل لشريحة من الصناعات التحويلية في المملكة العربية السعودية في مجال الحديد والألومنيوم والزجاج والبلاستيك والصناعات الغذائية والسيراميك والطوب الأحمر فان الطاقة تمثل ما بين 7 الى 13 % من التكاليف التشغيلية اما المواد الخام فتمثل مابين 19 الى 82 % من التكاليف التشغيلية وهي نسب مقدرة.
يتضح أن أية زيادة في هذه التكاليف ستنعكس أسعارها بصورة سلبية على مجمل القطاع الصناعي، وقد تؤدي إلى خسائر فادحة، وتراجع القطاع برمته، وضعف قدرته التنافسية إقليميا مع بعض الدول المجاورة مثل دول الخليج وايران و عالميا مثل تركيا والصين وأمريكا، وربما إفلاسه، وقد يكون هنالك ركود وتراجع في معدلات دخول الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلي، وربما هجرة رؤوس الأموال السعودية إلى الدول المجاورة ذات البيئة الاستثمارية الجاذبة.
رؤية المملكة لهذا القطاع خلال العقود السابقة ظلت ولا زالت تعتبر الصناعة ذات أهمية استراتيجية ينبغي دعمها وتحفيزها للحفاظ على مستويات تنافسيتها ولتنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي، وبالتالي نأمل من مجلس الاقتصاد والتنمية أن يأخذ رأي القطاع الخاص بشأن قضية مراجعة أسعار اللقيم ودعم الطاقة قبل صدور اي قرار في هذا الشأن، حرصاً على ضمان استمرارية القطاع الصناعي ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، ولعل من الاهمية ايضا تفعيل سياسات دعم الصناعة خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي نمر فيها من حيث الانكماش الاقتصادي وفقاً لما ورد في برنامج تحقيق التوازن المالي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال