الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن الدورات التدريبية والمؤتمرات والندوات والمحاضرات و ورش العمل وغيرها من التجمعات المهنية؛ تُعد منبرًا مهمًا لاكتساب العلم والمعرفة والمهارات. وتُعد كذلك مكانًا يجتمع من خلاله الزملاء لتعزيز علاقاتهم ببعض وتبادل الخبرات فيما بينهم، ويُستعرض فيها آخر ما استجد في المهنة. الجدير بالذكر أن كل واحدة من هذه المناسبات تختلف عن الأخرى في المواضيع التي يتم تناولها من حيث دقتها وتخصصها ومدتها والمحاضرون فيها والفئة المستهدفة من الاشتراك.
بالنسبة لمهنة المحاماة، تَوَجه عدد كبير من المحامين -و”النخب” منهم بالتحديد- إلى تأسيس أو إدارة مراكز لتنظيم وعقد المؤتمرات والدورات، وتسخير اهتمام قد يساوي -إن لم يفق- اهتمامهم بمهنتهم ومُهمّتهم كمحامين أو أكاديميين حقوقيين. بل وإلى استغلال تلك المهنة واستخدامها لتسويق هذه المراكز. وما لاحظناه مؤخرًا هو تطور هذه المناسبات وتكاثرها وربما عشوائيتها لدرجة تُحقق التشتت للمحامي أو المهتم بحضورها. فكل مُنَظِم لهذه المؤتمرات يصنف مؤتمره على أنه الأول أو الأهم أو الأكبر أو الأضخم من نوعه. وبتنا نسمع المؤتمر الأول أو اللقاء الثاني أو الملتقى الثالث على حد أقصى في أغلب المرات، فيما لم نسمع مثلًا المؤتمر الثامن أو التاسع. فهل يعتبر هذا عدم التزام؟ أم أن الأهداف الأصلية التي كانت في ذهن المنظمين قد حُققت بمجرد استلام الرسوم من المشتركين، وانتفى أي مبرر لاستمراريتها والعمل على تطويرها؟.
وممّا لاحظناه مؤخراً كذلك، هو أن كثيرًا من هذه المناسبات تنعقد خارج المملكة. قد يكون ذلك هربًا من طول الإجراءات، وصرامة الاشتراطات وصعوبة اجتذاب الزملاء من الخارج. يضاف إلى ذلك أن المدعوين من خارج السعودية يواجهون صعوبات مضاعفة في الحصول على تأشيرات الدخول مقارنة بما قد يواجهونه للذهاب إلى بلد اخر. وربّما يكون السبب الأساسي لحرص المنظمين على عقدها في دبي، أو مصر مثلًا، هو الحصول على عوائد مالية أكبر، والتي قد تكون هي أصلًا الغاية والهدف الأسمى لعقد تلك المناسبات.
المحزن في كل هذا هو الحماس والاندفاع لدى المبتدئين في المهنة، من الطلاب وحديثي التخرج وممن يحملون أحلامًا وآمالًا. هؤلاء الذين يتم استغلال قلة معرفتهم وخبرتهم، وحاجتهم للتعلم، خصوصًا مع صعوبة الحصول على التدريب المناسب في مكاتب المحاماة. هذا غير إيهامهم بأن هذه الدورات والمؤتمرات -التي قد يتجاوز رسم الاشتراك فيها راتب شهر كامل للمتدرب- مهمة وبأن حضورها هو الطريق الأسهل لاكتساب العلم والمعرفة. وبأن ما توفّره من التحصيل العلمي يُمكن أن يستعاض به عن، أو يكافيء الكتب والمراجع وكذلك التدريب. وبالطبع لا يكتمل هذا الخداع بدون العناوين التسويقية البراقة التي يلجأ لها المنظمون لاجتذاب المشتركين، والتي يتّصف بعضها بأنّه مستحيل التحقق: كيف تصبح محاميًا ناجحًا في خمسة أيام، وطريقك لتكون مُحكمًا تجاريًا في أربع ساعات، وتمكّن من صياغة العقود في ثلاث دقائق!.
الدورات والمؤتمرات والندوات وورش العمل وغيرها من التجمعات المهنية التي من المفترض أن تكون مكانًا لتبادل الخبرات بين زملاء المهنة. ويتداخل فيها المحامين ذوي الخبرة مع المبتدئين في المجال؛ تحولت إلى مهرجانات يُبحث بها عن الظهور الإعلامي والتميز واكتساب الشهرة، والأهم هو أرصدة في البنك بأسهل طريقة وأقل مجهود مهني.
فهل تحقيق ربح من خلال هذه المناسبات يعوض عن كونها إما بلا قيمة أو بمحتوى غير مثري؟ وهل ذلك يبرر أن يستعان “بفاشينستا” سبب شهرتها الابتذال والانحلال والتفاهة، أو “مُهّرج” حقق صيتًا واسعًا من خلال التهريج والسخافة، لاعتلاء منصة تجمع مهني كوسيلة لاجتذاب عدد أكبر من الحضور؟ هذه التجمّعات التي من المفترض أن يعتلي منصّاتها ذوي الخبرة، والتجربة، والمهارة، والالتزام من نخبة المحامين والنقباء ورؤساء الهيئات واللجان. بيد أنه، وعلى عكس ما هو متوقع، بتنا نرى هؤلاء المشاهير الذين شاءت الصدفة وحدها، أن يحملوا شهادات في القانون لم تكن هي بالتأكيد السبب الذي أهّلَهم لنيل هذه الفرصة، وسط حشد من الأساتذة والفقهاء والمحامون والتلامذة ذوي الطموح.
فما هي المعايير التي على أساسها يمكن أن تنعقد تلك التجمعات؟ وما الذي يحدد أهلية وأحقية منح الشهادات وأحيانًا العضويات -التي من المفترض أن تترتب عليها مسؤوليات- للمشارك؟ وماهي الجهة أو الجهات المسؤولة عن الإشراف والرقابة قبل وأثناء انعقادها، ثم المراجعة والتقييم بعد انعقادها؟ هذا الانحدار، هل تقع مسؤوليته على عاتق هؤلاء الأساتذة المنظمون؟ أم على الجهات التي تمنح التراخيص وتحرص على تحصيل رسومها، أو حصتها على كل شهادةٍ تُمنَح أكثر من اهتمامها بما يُقدم من محتوى ومادة علمية وكيفية تقديمه؟ أم على المشترك الذي يعلم بأنّه مُستغلّ وبأن كل هذا يجري بلا قواعد أو معايير، ومع ذلك يظلّ جُلّ همه إضافة سطر في سيرته الذاتية؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال