الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بغض النظر عن عدم قناعة البعض بالإجراءات التي إتخذتها الحكومة لمواجهة عجز الموازنة العامة نتيجة تراجع أسعار النفط بصورة حادة ، و لمعالجة الإدارة المالية للحكومة . وبغض النظر عن تحفظ البعض على بعض تلك الإجراءات بسبب الأثار الـمؤلمة التي بدأت على النشاط الاقتصادي ومن المتوقع أن تزداد تلك الأثار في الأشهر القادمة . فإن بعض الأثار الإيجابية لتلك القرارات على المستويين الرسمي والشعبي واضحة جدا ، بل هي مما كان العقلاء يطالبون به من عقود ولم يسمع لهم أحد ، وكان سيل السلوكيات السلبية يجتاح المجتمع حتى ما عاد للعقل مكان .
أول الإيجابيات وأهمها التفكير الجاد في الإدارة المالية على مستوى الأسرة ، والتفكير بوعي في الإستهلاك ، وتراجع مستوى النهم الشرائي . وقد ظهر ذلك جليا في خلو الأسواق من المتسوقين حتى في أوقات الذورة خصوصا في أسواق الكماليات والسلع غير الضرورية والمرتفعة الثمن . كمعارض السيارات والملابس والجوالات والأجهزة المنزلية وغيرها ، وتراجع مظاهر المفاخرة بما يسمى (الهياط) في كثير من المناسبات . وقد ظهرت النتائج المباشرة في تراجع أسعار كثير من السلع التي كانت ترتفع بإستمرار وأولها أسعار العقار والمواشي والسيارات ومعظم الكماليات ، وظهرت إعلانات التخفيضات الكبيرة في غير مواسمها ومازالت عروض التخفيضات مستمرة ووصلت للشركات والماركات التي تستنكف من تقديم العروض .
صحيح أن تراجع الإستهلاك بشكل حاد ولفترة طويلة يضر بالاقتصاد عموما ، لكننا في وضع غير طبيعي من حيث النهم الشرائي لكل شيء . وهذا التوقف الإجباري قد يعيد المجتمع للتفكير في سلوكه الإستهلاكي وإدارته المالية ، وهو ما حدث فعلا بدليل أحاديث المجالس والتعليقات في وسائل التواصل الإجتماعي ، وإن كان بعضها ينحو للسخرية والإستهزاء . لكن الإجابيات التي ستحدث إن عاد المجتمع للوضع الإستهلاكي الصحيح كبيرة على جميع المستويات .
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو ردة فعل المجتمع للقرارات الملكية التي صدرت قبل أيام وكان من ضمنها إعادة المزايا المالية التي تم إيقافها عن موظفي الدولة المدنيين والعسكريين . فقد إعتقد بعضهم أن كل شيء عاد لما كان عليه قبل القرارات التقشفية وأن المجتمع يجب أن يعود في سلوكه الإستهلاكي لما كان عليه قبل القرارات . وذلك التفكير والظن كارثي على المجمتع أو من يؤمن به ويعمل به لسببين ، الأول أن السلوك الإستهلاكي السابق والذي لم ينتهي بعد مضر بالفرد والمجتمع مهما كان الوضع الإقتصادي ، فهو يستنزف الموارد الوطنية ويضر بالأجيال القادمة ، ويسبب التضخم الذي الذي يفقر معظم الشعب في النهاية .
وثانيا عودة تلك المزايا لا تعني أن الأمور المالية للدولة عادت كما كانت عليه ، فالقرار الملكي كان الهدف الأساسي منه برأيي التخفيف عن المواطنين وتنشيط الإقتصاد الذي بدأت عليه ملامح التباطؤ ، لا لأن الوضع الاقتصادي للدولة عاد لما كان عليه قبل الأزمة فأسعار النفط لم تتغير كثيرا ، ومجالات الإنفاق الإضطرارية الكبيرة لم تتحسن . إضافة إلى ذلك لم يتم تطبيق قرارات الزيادات والضرائب التي سيكون لها آثار مؤلمة على ميزانية الأسرة ويجب على الأسر أخذ هذا الأمر بالحسبان حتى تتضح الصوره لهم مع نهاية عام ٢٠١٨ أي بعد تطبيق قرار ضريبة القيمة المضافة . والأهم من كل ما سبق أن المزايا المالية التي أرجعت لن تكون كافية في مواجهة الزيادات القادمة في الرسوم والضرائب والتضخم المتوقع الناتج عنها ، كما أن المزيا لا تشمل جميع الموظفين فعليا لأن معظم الموظفين ليس لهم مزايا مالية غير رواتبهم ، كما أن بعض المزايا أوقفت عمليا أو قننت لأدنى حد أي أن القرار لن يؤثر في عودتها مثل خارج الدوام في معظم القطاعات .
لكل ما سبق أتمنى على المجتمع أن يحافظ على مكاسب الوعي المالي الذي بدأ يسري في المجتمع ولو على المستوي الفكري والحواري وأن لا يندفعوا وراء وهم أن الأزمة المالية انتهت فذلك غير صحيح . حتى وإن إنتهت في المستقبل يجب أن نحرص على تصحيح سلوكنا المالي الخاطئ الذي كنا نمارسه في السابق ، فنحن مقبلون على أيام عصيبة بعد تطبيق القرارات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال