الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بدايةً اتفهم استنكار كثيرٍ منكم لعنوان المقال، واتفهم كذلك إطلاقكم لحكم استباقي من مجرد اللمحة الاولى عليه. واسمحوا لي أن اتبجح باقتباس مقولة لمظفر النواب لتبرير هذا العنوان، وهي: “بعضكم سيقول بذيئة لا بأس،أروني موقفًا أكثر بذاءةً مما نحن فيه”. لكن اعتقد بأن الموضوع وأهدافه يستحقان منكم فرصة لتأجيل ملاحظاتكم بعد تفسير العنوان من خلال ما سيلي.
المعقبون، وهم من سأسلط عليهم الضوء في هذا المقال، أول ما يتبادر للذهن -وخصوصًا بالنسبة للمحامين- حينما نأتي على ذكرهم؛ هو أنهم إحدى الفئات التي تطفلت على مهنة المحاماة وزاحمت المنتمين إليها على رزقهم بهذا التطفل. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومة من الناحية النظرية، وتضرر المحامين فعلًا والمهنة من وجود من أقحم نفسه فيها بغير وجه حق ولا صفة مهنية، وتصريح الكثير من المحامين عن استياءهم من غياب التنظيم والرقابة الذي أدى لوقوع واستمرار هذه الفوضى التي ألحقت الأضرار بالمحامي ومهنته، فإن الكثير من المحامين يلجأون للمعقب ويستعينون بخدماته في مكاتبهم.
ولا أدري إذا كان المعقب يحمل وصف مهني حقيقي، أو يخضع لأحكام نظام العمل والعمال، -مع العلم أنه يسمى “بالتحايل” مسؤول علاقات حكومية- أو أن هنالك جهة تتولى الإشراف والرقابة على أعماله، لكن ما اتصوره هو أن العلاقة المهنية بين المعقب وصاحب العمل -المحامي أو صاحب مكتب المحاماة في حالتنا هذه- معيارها هو ضمير الطرفين في ظل غياب التنظيمات التي تكفل الحقوق والالتزامات بالنسبة للمعقب ومن يعمل لصالحه.
ويقوم عمل المعقب -على سبيل المثال وليس الحصر- باختراق الدوائر الحكومية ومتابعة المعاملات فيها، وإنجاز الأعمال التي يتعالى المحامون على القيام بها باعتبارها بسيطة ولا تتناسب مع مقام “جنابهم” أو تستحق مجهوداتهم ووقتهم. ورغم وجود التقنيات الحديثة التي تتيح إنهاء المعاملات عن طريقالتطبيقات المتوفرة في الهواتف الذكية، إلا أن حاجة أرباب المكاتب للمعقبين لمتتضاءل. لا أعرف هل يعود هذا “لفهلوة” المعقب في التعامل مع الدوائر الحكومية، أم لعدم جدوى التكنولوجيا المتوفرة؟ أم لبيروقراطية القطاع العامالمرهقة؟ أم أن هنالك أسباب أخرى؟
خصوصًا أن طبيعة عمل المعقب تعتمد في الغالب على الأداء الميداني، والذي يستدعي المشقة والوقوف في الزحام وتعدد الأماكن المراد قصدها. وأحيانًا تَحَمُل الإهانات واستهتار بعض الموظفين، الأمر الذي أكسبه -المعقب- خبرة قد تفوق خبرة المحامين أنفسهم من خلال كل ذلك. رغم أنه لم يحظ بالفرصة ذاتها التي حظي بها المحامي في التعليم ونيل ترخيص المزاولة والاعتراف بصفته المهنية.
فهل هذا المجهود الذي يبذله المعقب يمنحه الحق في ممارسة مهنة لا ينتسب لها؟ علمًا أن هذا الأمر يتسم بالفوضى والعشوائية خصوصًا مع سماح الجهات المسؤولة بوجود هذا العمل بتراخيها عن تنظيمه والإشراف والرقابة عليه.
ما أردت أن أثيره في هذا المقال هو: طالما أن هنالك استنكار من المحامين لوجود هؤلاء المعقبون، ومطالبتهم الجهات المسؤولة بمنع عملهم واستحداث وتفعيل أنظمة من شأنها الحد من أو منع وجودهم، والادعاء بوجود ضرر منهم. إذن، لماذا لا يتخلون عنهم؟ ولماذا نراهم يطلبونهم في الإعلانات التي يعرضونها للتوظيف؟ في الوقت الذي يتعاملون معهم كالعشيقة السرية، التي يحتقرها الرجل أمام العلن في النهار ويرتمي في أحضانها ليلًا؟ بيد أن هنالك فارق توقيت تفرضه المهنة على المحامي فيلجأ للمعقب بتكليفه بتنفيذ أعمال مكتبه ويستنفذ وقته ويستغل جهده نهارًا، ويتبرأ منه ويقضي السهرة في الحديث عن استياءه من هذا المتطفل الذي فرض نفسه على المهنة عندما يجتمع من زملائهوأساتذته أو من خلال التعبير عن رأيه في وسائل التواصل وغيرها مساءً؟
من الواضح أننا أمام معضلة تحتاج حلًا. فهل يكون هذا الحل بتفعيل دور جهات تعمل على الإشراف والرقابة على عمل المعقبين؟ أم استحداث نظامللتعقيب يعطيه الصفة النظامية؟ أم أن يبقى الوضع على ماهو عليه مع بقاءالعشوائية والفوضى التي تعتبر أهم ما يميز هذه المهنة؟.
أم الحل الذي انتهجه بعض المحامين مؤخرًا، وهو: التحايل بالاستغناء عن المعقبين وتكليف المتدرب طيلة فترة تدريبه بأعمال التعقيب، فلا يُعاير بوجود عشيق سري؟ بل ويُثنى على المحامي الذي يفعل ذلك بالتزامه المهني والأخلاقي تجاه المتدرب الذي من الوارد جدًا أن يكمل فترة تدريبه دون التعلم على كتابة مذكرة واحدة؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال