الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لماذا تتعثر المشاريع والبرامج ودائما تواجه نفقات أو وقت تنفيذ أعلى مما هو مخطط له؟ هل المشكلة في التخطيط والإدارة أم من البيروقراطية وتعقيداتها أم أن فساد المسئولين هو العدو الأول لنجاح المشاريع؟
الحقيقة ان تعثر المشاريع ظاهره عالمية وتحصل في معظم دول العالم حتى تلك التي تحقق معدلات عالية في النزاهة والشفافية وتحصل في القطاع الخاص كما تحصل في القطاع العام. وهناك دراسات تثبت تعثر 75% من المشاريع في الدول الغربية التي تتميز بأنظمة وقوانين واضحه وبيئة إدارية متقدمة . إذن الموضوع أعقد من إرجاعه الى أنظمة أو فساد أو الأسلوب الإداري المتبع. وقد يكون هناك عوامل أقل اهتماما (على الأقل محليا) توفر تفسيرا أكثر منطقية وتدعوا الى إعادة اكتشاف الانسان.
وفي الحقيقة , هناك وجهتي نظر رئيسيتين تفسر ممارسات إدارة المشروعات وأسباب فشلها الأولى نظرة عقلانية تركز على أدوات ومناهج إدارة المشاريع والثانية نظرة سلوكية والتي تركز على جوانب اجتماعية / نفسية تفسر كيف يتصرف ويتفاعل الأشخاص في السياق المؤسسي وفي إدارة المشروعات .
الفرق بين المدرستين كبير جدا حيث الأولى تركز على كيف يجب ان يدار المشروع من خلال الأدوات والتحليل والمناهج والتدريب عليها بما يشمل الشهادات الاحترافية مثل PMP وتعتقد أنه كلما زاد الاستثمار في المحترفين والشركات الاستشارية المتخصصة وكذلك أدوات ومنهجيات إدارة المشاريع فانه يتوقع أنه يؤدي ذلك الى تحسين في طريقة إدارتنا والنتائج المرجوة من تلك المشاريع وهذه الأدوات تتدعي أنها ترفع إحتمالية نجاح المشروع اذا تم اتباعها بدقة من خلال التركيز على السبب والنتيجة بطريقة خطية (اذا اتبعت س فسوف يحصل ص) وهذه النظرة بلا شك ادواتها مهمه لكن الايمان بها أكثر من اللازم يقود حتما الى تسطيح نظرتنا وفهمنا لآلية اتخاذ القرارات وتفاعل الافراد داخل المنظمات.
أما المدرسة الثانية “السلوكية” فتركز على تفاعل الافراد وكيفية يتخذ المدراء قراراتهم . هذه النظرة وإن كانت أكثر حداثة وأقل تطورا في مناهجها وأدواتها بسبب أنها تركز على السلوك البشري وهذا مجال يصعب دوما تنميطه وتأطيره في نظريات محددة كما أن دراسته تصعب في بيئات لا يمكن التحكم بمتغيراتها كاملا فما بالك بالبيئات المختلفة لكل مشروع . لكن هناك تطورات كبيره حصلت في السنوات الأخيرة في علم الاقتصاد السلوكي وفي مجالات مرتبطة به مثل علم اتخاذ القرار وفهم طريقة تصرفات الافراد وتفاعلهم داخل المنظمات ويمكن للمهتم تتبع أعمال دانييل كانيمان الفائز بجائزةنوبل في الاقتصاد لأعماله في هذا المجال .
في كثير من المشاريع المتعثرة حول العالم يمكن تتبع أسباب الفشل وإرجاعها الى قرارات سيئة وخاطئة حصلت بسبب مؤثرات نفسية وتحيزات إدراكية في طريقة إتخاذ القرار. وهناك الكثير من الدراسات في هذا الموضوع والتي ربطت بين الثقافة التنظيمية والقرارات الخاطئة والتي تقول أن هناك عوامل أخرى سلوكية اقربلتفسير الاحداث. وتعزو هذه المدرسة فشل المشروعات إلى عدة مؤثرات نفسية سلوكية قد تشوش منهجية التفكير وتؤدي إلى قرارات خاطئة مثل ثقة المسئولين المفرطة في قراراتهم ومعلوماتهم وإحساسهم الزائف بالقدرة على التحكم بالأمور وإهمالهم لمخاطر أساسية قد تحيط بالمشروع.
من أهم التحيزات في إدارة المشاريع هو تحيز التخطيط Planning fallacy وهو الميل للتقدير الخاطئ للوقت والتكاليف والمخاطر المستقبلية للمشروع ، وفي الوقت نفسه المبالغة في تقدير الفوائد وبالتالي تسفر نتائج المشروع الناجم عن الخطأ في التخطيط الى تجاوز الوقت و التكاليف وتواضع الفوائد. كما قد يواجه المدراء مواقف معينه تستدعي اختيار وفحص بيانات هامه للمشروع لكن تحت ضغط العمل ومواعيد التسليم يميلون الى اختيار البيانات المتاحة وسهلة الوصول ويفشلون في اعتبار بيانات اكثر أهمية لكنها ليست تحت النظر الان.
أيضا الالتزام المتصاعد Escalation of commitment يجعل المدراء يستثمرون موارد إضافية في مشروع فاشل في محاولات مستميته لإنجاحه لإثبات أن قراراهم الاولي كان صحيحا أو لارتباطهم العاطفي بالمشروع – من ما منا يستطيع ان يذهب لمديره ويقول أن قراري كان خطأ ويجب ان نتوقف عن هذا المشروع او البرنامج ؟ . كما ان بعض البرامج و المشاريع تبدأ تعطي إشارات سلبية لكن لا شعوريا يهملها او يتغاضى عنها المسئول ( تحيز لا يمكن التحكم فيه كثيرا).
ومن ضمن المؤثرات ما يسمى بالتفكير الجمعي الذي يخلق على المدراء ضغطا بالتوافق مع رأي المدراء الاخرين واهمال بقية الأدلة التي تتضاد مع الراي السائد .
هذه الفجوة بين النظرتين قد تكون هي السبب الأساسي في تعثر المشاريع وليس كما يعزوه البعض دوما الى شماعه الفساد التي هي الاسهل للشخص العادي . واذا آمنا بهذه النظرة فان هناك فرص كبيره في تحسين قراراتنا وفهمنا لطريقة عمل المشاريع والبرامج وبالتالي تحسين فرص انجاحها من خلال الاعتراف بقصورنا وتواضعنا ومحاولة التركيز على محسنات القرار السلوكية أكثر من الأدوات والمناهج الحاضرة جدا في تطبيقات إدارة المشاريع خصوصا لدى الشركات الاستشارية فهي لا توفر خلطة سحرية للنجاح ولا يجب ان نبالغ في التوقعات منها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال