الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعتبر مهمة اتخاذ القرارات التمويلية المناسبة من أصعب المهام التي تواجه المنشآت بشكل عام والمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل خاص. ويجب أن يهدف المدير المالي إلى تحقيق الهيكل التمويلي الأمثل من حيث استخدام المزيج من القروض وحقوق الملكية الذي يحقق توازن بين العائد والمخاطرة ويؤدي إلى تعظيم القيمة السوقية للمنشأة. ويكمن التحدي في تحقيق هذه الموازنة حيث يصاحب استخدام المزيد من القروض ارتفاع في معدل العائد على حقوق الملكية وبنفس الوقت ترتفع نسبة المخاطر التي قد تتعرض لها المنشأة. ومن هنا تأتي أهمية مفهوم الرفع المالي الذي يشكل نسبة إجمالي الديون إلى إجمالي الأصول حيث تزداد درجة الرفع المالي كلما ازداد اعتماد المنشأة على التمويل الخارجي. ويبقى السؤال المهم إلى أي مدى يعتبر الرفع المالي مفيدا للمنشأة؟
سيناقش هذا المقال ميزات الرفع المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم مع ذكر بعض العوامل المهمة التي تؤثر على قرار الاقتراض.
بالنسبة لجميع المنشآت يبدو الاقتراض جذابا لما له من أثر إيجابي على معدل العائد على حقوق الملكية، فشركة تشكل حقوق الملكية (Equity) 100% من رأس مالها ستحقق عائد أعلى إذا كان 50% من رأس مالها من القروض.
هذا الأثر الإيجابي لا يخلو من المخاطر حيث تتجلى منافع الرفع المالي إذا كانت العوائد أعلى من تكلفة الاقتراض وذلك لأن الاقتراض يجعل نقطة التعادل مرتفعة (سواء بسبب تكلفة الفوائد بالنسبة للقروض التقليدية أو بسبب تكلفة إجراءات التمويل الإسلامي) مما يعني جهد أكبر على الشركة لزيادة المبيعات وبالتالي زيادة الأرباح للوصول إلى نقطة التعادل الجديدة. وتتعرض المنشأة للمخاطرة المالية عند انخفاض مستويات المبيعات دون مستوى ما تتحمله من تكلفة وبالتالي عدم القدرة على سداد أصل القروض في أوقات استحقاقها.
ومن ميزات الاقتراض التي ترتكز عليها نظريات عالمية مثل نظرية (Modigliani &Miller) ميزة التوفير الضريبي حيث تعتبر فوائد القروض من المصروفات التي تخصم من الإيرادات قبل حساب الضريبة وبالتالي يتم التوفير في الضرائب المستحقة على الإيرادات (والتي قد تكون مرتفعة في بعض الدول مثل بريطانيا حيث تصل نسبة الضرائب على أرباح الشركات إلى 35%) لذلك تعتمد تلك النظرية على فكرة أن هيكل رأس المال الأمثل هو الذي يحقق توازن بين فوائد التوفير الضريبي وتكلفة الأموال المقترضة. وبديهيا لا تنطبق هذه النظرية على الدول التي لا تطبق الضرائب مثل السعودية وبالتالي لا يوجد توفير ضريبي.
وعندما يكون للمنشأة الخيار بين التمويل بالملكية والتمويل بالاقتراض فإن الاقتراض في أغلب الحالات يعتبر أقل تكلفة وذلك لأنه أقل مخاطرة حيث يخسر المستثمرون رأس المال في حال تعرض المنشأة للإفلاس ولذلك يطالبون بعائد أعلى من التكلفة التي يفرضها الدائنين. مثلا إذا طالب المستثمرون بعائد 10% سنويا وكانت تكلفة الأموال المقترضة 5% فإن خيار الاقتراض أقل تكلفة.
في حالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم فإن الظروف مختلفة وخيارات التمويل أقل مرونة، من صعوبة جذب أموال المستثمرين الممولين إلى صعوبة استيفاء شروط البنوك والمؤسسات المالية التي ترفع من تكلفة الاقتراض لهذه المنشآت مقارنة بالسعر الذي تدفعه المنشآت الكبيرة. وحسب آخر الدراسات فإن حصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم من إجمالي جميع القروض في السعودية 3% فقط.
بالطبع هناك فوائد أخرى للقروض مثل المحافظة على السيطرة في المنشأة وعدم مشاركة الاخرين الأرباح. وتتمثل أهم السلبيات عندما يكون أداء المنشأة أقل من المتوقع وبالتالي يكون مردود الاستثمار أقل من تكلفة الاقتراض مما يزيد من احتمالية تعرض المنشأة للإفلاس وتدخل الدائنين.
وفي حدود استخدام القروض في هيكل رأس المال فقد اهتم الباحثون في نشر الدراسات التي تسلط الضوء على هذه النقطة أغلبها تتمحور حول دراسة العلاقة بين صفات المنشآت والقرارات التمويلية أو العلاقة بين استخدام القروض وقيمة المنشأة. سأحاول ذكر أهم العوامل التي تحدد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم في اعتمادها على القروض. من أهم هذه العوامل درجة استقرار المبيعات فالشركات التي تتسم مبيعاتها بالاستقرار تكون في وضع أفضل للاستفادة من ميزات الرفع المالي أي زيادة نسبة الأموال المقترضة مقارنة بالشركات التي تتصف بنسب مبيعات متقلبة.
أيضا تلعب نسبة امتلاك الأصول التي يمكن تقديمها كضمانات للمقرضين دورا كبيرا في تحديد نسبة استخدام القروض وبالتالي المنشآت التي تملك أصولا ملموسة تستطيع الاعتماد بشكل أكبر على القروض. وبالتأكيد طبيعة الصناعة تؤثر بشكل كبير على هيكل رأس المال مثلا قطاعات بيع الجملة والمواد الغذائية تميل إلى استخدام نسبة عالية من القروض. ومن حيث درجة التخصص فإنه يفترض أن المنشآت التي تعتمد على منتج واحد أكثر عرضة لمخاطر الإفلاس. أيضا عدد كبير من الدراسات أشار إلى وجود علاقة عكسية بين الربحية ودرجة الرفع المالي وذلك بافتراض أن الشركات ذات الربحية المنخفضة غير قادرة على التمويل من الأرباح المحتجزة وبالتالي تعتمد بشكل أكبر على الأموال المقترضة.
أكبر مثال على هذه النقطة شركة قوقل التي تمتلك رأس مال بمقدار 22 بليون دولار لا يحتوي على أي أموال مقترضة بسبب قوة التدفق النقدي والأرباح لهذه الشركة العملاقة. باختصار لا يوجد معادلة تساعد المنشآت للوصول إلى الهيكل التمويلي الأمثل وإنما هو مزيج من ظروف الصناعة وظروف المنشأة وتقدير التكاليف، العوائد واحتماليات المخاطر المالية للوصول إلى رأس مال ذو تكلفة أقل ويحقق مردود استثماري إيجابي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال