الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مقاله سابقة تحت عنوان / متابعة مشاريع الدولة ذُكرت فيها حجم الإنفاق الكبير والآلية المقترحة على متابعة تنفيذ مشاريع البنى التحتية بمختلف أنواعها وسنعيد هنا ذكر تلك الإحصائيات للتذكير ولقياس حجم الهدر مقارنة بما نراهـ في واقعنا من مخرجات لتلك المشاريع.
ففي عام 2014 حسب ما تم ذكره في بيان وزارة المالية بلغت عدد المشاريع التي تم الموافقة عليها 2،572 مشروع بقيمة تساوي 184،000،000،000 ريال، وارتفعت عدد المشاريع الموافق عليها في العام المالي 2015 من قبل وزارة المالية إلى 2،650 مشروع بمعدل نمو 3% وبقيمة تساوي 188،000،000،000 ريال بمعدل نمو 2% عما كان عليه في العام الذي سبقه.
أي أن إجمالي قيمة المشاريع الموافق عليها في عاميَ 2014 و 2015 بلغت 372،000،000،000 ريال.
أما بالنسبة لعامي 2016 و 2017 فلم يتم التطرق في بيان الميزانية إلى حجم المصروفات وفي أي اتجاه فقد تم التركيز على حجم الإيرادات والإنفاق كقيمة إجمالية للقطاعات الرئيسية للعام المالي القادم.
ولعل أهم المعايير التي من خلالها نكتشف جودة المشاريع ذات الإنفاق المالي الكبير من عدمه عن طريق العمر الزمني لها ومقدرتها على مواجهة الظروف المناخية والبيئية. والسؤال هنا ماذا حل بمدن المملكة أثناء هطول الأمطار كمؤشر جودة لتلك المشاريع؟
الجميع غرق ومن هنا يجب أن نحلل الأمر على غير المعتاد ونضمن أطراف أخرى تعد الرقم الصعب في المعادلة. من السهل جدا ترديد كلمة الفساد وإيعاز مسؤوليته لأي جهة أو فرد بعينه ولكن لأجل أن نقوم الأمر لابد على جميع الأطراف وهم الحكومة بشقيها التشريعي والتنفيذي والقطاع الخاص المنفذ والمواطن أن يشتركوا في تحمل المسؤولية حسب القوة والسلطة والمشاركة.
من خلال البحث في عدة مصادر ( إعلام ورقي /إلكتروني ، ردود الأفعال المجتمعية ) وجدت أن الجميع يتحدث في سكرة الحدث وردة الفعل كما اعتدنا عليه عند حدوث كوارث مشابه تتشكل في أن جميع الأطراف يتحدثون حسب العناصر المذكورة أعلاه (القوة ، السلطة ، المشاركة) ثم وعود ثم لا شيء أو حلول مستعجلة وتنفيذ بطيء جدا وكارثة تلو الأخرى.
لنبدأ على سبيل المثال لا الحصر بالموافقة على بعض المخططات التي في الأصل هي مجاري أودية هنا لابد أن نعترف بمشاركة أكثر من قطاع حكومي في الموافقة على مثل هذه المخططات وتلك مشاركة في خلق المشكلة والضحية هنا المواطن ؛ ويجب أن نضمن المواطن في هذه المعادلة فلابد أن يكون له دور فعال في بناء المجتمع وتثقيفه وعدم الانسياق خلف الإعلانات التسويقية ليتم استغلاله واصطياده بكل يسر وسهوله ويصبح النقطة الأضعف في تركيبة هذه المعادلة.
عندما يكون لديك مواطن واعي ويتشكل بذلك مجتمع فإن هذا المجتمع سيضمن لنفسه حقوقه ثم يؤدي واجباته على أكمل وجه وبالتالي سيدرك ماهو في صالحه أو العكس.
فعرض هذه المخططات البالية والتي يشارك بها أكثر من قطاع حكومي فإن الدور هنا يقع على عاتق المواطن من حيث عدم الانجراف في الشراء وترك السلعة ( منتج العقار) بلا شراء وبالتالي يدرك الطرف الأول من المعادلة (المواطن) أن مثل هذه المخططات لن تباع في ظل وجود مجتمع في غالبيته إن صح التعبير واعي ومدرك وبالتالي تكون المخططات القادمة أكثر سلامة وأمناً.
مواطن واعي يولد مجتمع واعي وفساد اقل والعكس صحيح. الطرف الثاني في المعادلة الشركة المنفذة لابد أن يتعدى مسئوليتها لما بعد التنفيذ فأي كارثه تحدث لابد ان تكون الشركة مسئولة عن ذلك كضامن ومؤمن لما يحدث نتيجة لاختلال المعايير في التنفيذ (من المؤكد استبعاد الكوارث الطبيعية التي تقاس بالمقاييس العالمية وليست بمقايَسنا) قبل بدء التنفيذ يجب أن تراعى تلك الأمور وان تطبق كواقع فإن العبرة لأولي الألباب في أول المُعاقب.
الطرف الثالث هو القطاع الحكومي وهو رقم ذا وزن كبير في المعادلة فإن صلح فقد أعاننا على المنفذ ووعي المواطن وإن فسد بحثنا عن التوازن في أطراف أخرى من المعادلة ؛ ولعلمما ذكر في مقال سابق في عدم تحديث الإجراءات في أنظمة المنافسات والمشتريات للدولة وثباتها والاعتماد في الترسية على الأقل لا الأجدر وذات السيرة الذاتية القوية في تنفيذ المشاريع هي أحد العوامل الرئيسية في تدني جودة تنفيذ المشاريع ( وقد أصدر معهد الإدارة دراسة حول هذا الأمر وكان من مخرجاتها توصية بتعديل هذا الإجراء وان يكون اختيار الشركة بناء على كفاءتها) حيث يعتبر اختيار الأكفأ من عوامل نجاح المشروع.
أيضا من عوامل النجاح الأخرى مراقبة وصيانة المشاريع بصورة مستمرة من قبل القطاع الحكومي وهي تعتبر عملية رقابية على جودة التنفيذ وإهمالها يسبب كوارث عند أول اختبار لها ، وتكييف مشاريع البنى التحتية على التضاريس الجغرافية لكل منطقة فالمشاريع الموجودة في المناطق الجبلية تختلف عن مشاريع البنى التحتية في المناطق البحرية وقد تعثرت تنمية مناطق بسبب حجة واهية وهي صعوبة التضاريس في حين نرى مشاريع عملاقة في دول مجاورة استطاعت من خلالها التأقلم مع تضاريس المكان وبالتالي حققت تنمية واستدامة ؛ كذلك يجب على الجهات الحكومية ذات العلاقة أن تكون لديها قاعدة بيانات تقيم فيها الشركات بصفة عامة وتضع ضوابط للشركات او المؤسسات التي فشلت وكانت جزء من الكارثة بسبب سوء التنفيذ وان تُحرم من مشاريع حكومية قادمة.
وأخيراً لعل جُل ما نعانيه من هدر مالي هو ضبابية المعايير لشغل المناصب القيادية والمهمة في القطاع الحكومي ؛ لقد مللنا من الواسطة والفريق الواحد ذا القبيلة الواحدة في نفس الإدارة أو القطاع. لقد تأخرنا بما فيه الكفاية ومعالجتنا للأمور يجب أن تسير بشكل أسرع ومنتظم.
لعل برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية يصنع الفارق من خلال تحقق أهدافه بتوفير القوى البشرية المؤهلة لأداء الأعمال المناط بها وإعادة دراسة الهياكل التنظيمية والنماذج والإجراءات في الأجهزة الحكومية وإيجاد إدارات متخصصة في الموارد البشرية الفاعلة.
يجب أن تتوفر جميع عوامل النجاح لإدارة المنظومة وما يتبعها من مشاريع ويكفي غياب واحد منها على الأقل لحدوث الفشل.
وأخيراً
فإن المسئولية المشتركة بين الحكومة والشركة المنفذة والمواطن هي التركيبة الصحيحة للمعادلة لإعمار البلد من خلال العوامل الثلاث القوة والسلطة والمشاركة.
تغريده :
لا تنمية مع الفساد حتى في ظل وجود رؤية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال