الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كتب لي أحد مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي ذات مرة قائلاً: أراك تطبل لبلدك كثيراً، فقلت: (إذا كانت سعوديتي عازفة أوركسترا أفلا أكون مطبلاً)؟!
ما شهدته الرياض عاصمة القرار العربي خلال الأيام الماضية لم يكن سوى لون جديد من ألوان العزف المنفرد الذي تؤديه هذه المملكة وسياسيوها الصامتون على مسرح هذا العالم المليء بالضجيج والضجر والفوضى.
سلوا عازفي orchestra عن فلسفة هذا الفن، سيخبرونكم بأنها الموسيقى التي تجيد التسلل إلى أوتار القلوب وتعرجات الأدمغة لتعبر عن عشرات القصائد الأخّاذة والعبارات الساحرة والكلمات العابرة لأعماق النفوس وأسرار التفاصيل وأسوار العشاق دون أن ينبس العازفون ببنت شفه، هكذا هي السياسة السعودية الصامتة تماماً بتمام مِثلاً بمِثل .
ألم يصدف لأحدكم أن كان يمشي في شارع مكتظ بالزحام والمارة المتقاطعين وفجأة صمت الجميع لفرقة عازفة جذبت الأنظار وأوقفت حركة المارة وخطفت الضوء؟! هذا هو ما حدث في الرياض أمام مرأى ومسمع عالم أنهكته الصراعات!
عندما مرت المنطقة العربية خلال السنوات الخمس المنصرمة بأقسى مراحلها السياسية والاقتصادية والديموغرافية وأخطر منحدراتها الفكرية والثقافية والاجتماعية في ظل انفجار سكاني وجيل جديد لا تكاد تحمل أو تحتمل ذاكرته أي درس من دروس العصر الحديث ظلت السياسة السعودية تتعاطى بحنكة وهدوء تام؛ كان التاريخ العريق والخبرة الطويلة وعصارة التجارب المسبوكة كسبائك الأونصات الثمينة في ذاكرة السياسة السعودية كلما توشحت وشاح مهمة بالغة التعقيد يمثل ذخيرة دافئة وكانت تلك الكنانة أمام اختبار المنعطف الوَعِر الذي مرت به المنطقة والهجمات الحادة التي تعرضت لها المملكة والمناخ الساخن الذي ساد العلاقات الاستراتيجية بين عديد من بلدان العالم وأوشكت فيه أثواب التحالفات القديمة على الانسلاخ.
إلا أن البلد الأهم والأثقل في المنطقة بدى متمكناً من السير وسط الدهاليز والتوازن بين الضفاف المتراشقة، وبدى أكثر ثباتاً وأجدر كفاءة لمجابهة التحديات في قلب التنّور العربي المتلمظ الذي ربما احترقت فيه دولٌ وشعوب قبل حلول لهيب صيف 2011م.
إن قراءة المدرسة السعودية بطريقة موضوعية من خلال تحليل الثقل الدبلوماسي وفق منظور علمي واستقرائي يعد بنظري من أهم ما ينتظر مراكز البحث ومؤسسات الفكر والثقافة، ففي الوقت الذي يعاني فيه الباحثون وأساتذة الجامعات والمثقفون من شح المكتبة عن توليد مصادر حديثة حيال التاريخ السياسي المعاصر وواقع العالم العربي ومبتكرات الموضوعات البحثية في مجال السياسة والتاريخ الحديث؛ نجد أن مدرسة الدبلوماسية السعودية تغطي الجزء المفقود من النص العربي الذي مر بحالة تباطؤ شديد عن توليد القيم في العالم السياسي.
تغذية المحتوى العلمي لتحليل “مدرسة الدبلوماسية السعودية” يجب أن يتخذ أشكالاً عديدة ليخرج إلى النور ويتبوأ مكانه الذي ينتظره في جامعات ومكتبات العالم والندوات والمؤتمرات وكراسي الأبحاث، ويبلور ممارسات الدهاء السعودي إلى نظريات خالدة لا تذوب بذوبان السنين، لإثراء تلك الممارسات المثلى في التعاطي مع الحدث والتي راكمتها عقودٌ من “دبلوماسية البلد الأهم في المنطقة الأصعب”، بل بات من الضرورة أن تمتهر ريادة الأعمال والمشاريع الشابة صناعة الإعلام الاحترافـي ودعمه وتمكينه بما يجب أن يواكب قدر هذه البقعة المحورية في قلب الأرض وقلوب المسلمين.
حلقةٌ مهمة من تلك المعزوفات الناجحة كانت في (قمة الرياض) التي حظيت باهتمام عالمي بالغ ينتظم في سلسلة حافلة من منجزات السياسة السعودية كقوة ناعمة تسير بانتظام عقارب الساعة وتتحرك بصمت صحاري الدهناء وتحرك المشهد لمصالحها ومصالح حلفائها بقوة أعاصير أريزونا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال