الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكثر من 400 مليار دولار أي أكثر من 1.5 ترليون ريال سعودي إجمالي العقود والاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت بين المملكة وأمريكا خلال زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للرياض مؤخرا . إنه مبلغ ضخم جدا لا يمكن تركه يمر دون تساؤلات ونقاش ، وذلك ما حدث فعلا في كافة وسائل الإعلام العالمية والإقليمية ، وكافة وسائل التواصل الاجتماعي .
لكن ما لفت نظري في مجمل تلك النقاشات خصوصا من بعض العرب أنهم صوروا الموضوع على أن ترامب حضر ومعه (خياش رز) فارغة وضع فيها تلك المليارات وحملها في طائرته الرئاسية وذهب بها ، هكذا بكل بساطة . وكثيرا منهم كان غاضبا جدا لماذا لم يتم توزيع تلك الأموال على العرب ، بل إن بعضهم كان يصرخ ! هذه أموال العرب والمسلمين كيف تسمحون أن تنهب هكذا!!! وكأنها كانت صدقة قدمتها المملكة لفقراء أمريكا و(شحاذو) العرب أولى بتلك الأموال برأيهم . ولو أن الأمر اقتصر على عامة الناس في مواقع التواصل الأجتماعي لما تحدثت عنه.
لكن أن نسمع مسؤولين عرب ومحللين سياسيين في قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية يفترض فيها النقاش الجاد المحترم حتى مع الخلاف ، تسمع أحدهم يسأل لماذا لم تعطى تلك الأموال لبلده ؟ ولا أعرف لماذا نعطيهم تلك الأموال ؟ ثم يضيف بكل بجاحة كيف تُهدر (أموال العرب) بهذا الشكل ؟!!
نستطيع القول كسعوديين لأولئك الذين يعتقدون أنهم أوصياء على (عرب الخليج) أننا أحراراً في أموالنا وثرواتنا ننفقها كيف نشاء ومتى نشاء ونعطيها من نشاء . لكننا سنكون أكثر منهم موضوعية في نقاش الأمر معهم لا لإقناعهم فذلك ليس هدفا ذا قيمة ، بل لتفنيد إفتراءاتهم .
نحن من العقل والحكمة والرشد المالي والإداري أن دولنا تصنف من أفضل دول العالم تطورا ومعيشة وأقتصاداتها ضمن أفضل إقتصادات العالم وأقواها وأكثرها تأثيرا في العالم ، بدأنا بعدهم بعشرات السنين ثم تقدمنا عليهم بمئات السنين . المضحك المبكي أن بعض المتحدثين تملك بلاده من المقدرات أكبر بكثير مما تملكه المملكة وتعيش بمستوى الصومال أمنيا وسياسيا واقتصاديا ، وذلك العبقري ينظر من أوروبا ولا يستطيع العودة لوطنه ، فعلا إذا لم تستحي (فقل) ما شئت .
العلاقة الاقتصادية السعودية الأمريكة تقارب القرن بدأت مع دخول أول حفار أبار نفط لصحراء المملكة وتعززت مع ظهور النفط من بئر (الخير) رقم ٧ ، وأخذت في النمو والتطور طوال كل تلك السنين الطويلة حتى وصلت لتوقيع إتفاقيات غير مسبوقة كما وصفها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير . إذا المسألة مسألة مصالح مشتركة عميقة جدا وليست وليدة صدفة ، وليست جباية كما يصورها أولئك العباقرة وإلا ما كان لتلك الإتفاقيات قيمة ولقدمت الجباية (المزعومة)أيام أوباما عندما كان سعر برميل النفط ١٤٠ دولار ، بل هي مصالح مشتركة تخدم البلدين كما هي علاقة الدول المتقدمة القوية .
أمريكا الشريك الاقتصادي الأولي للمملكة وعلى مدى عقود ، ويتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين سنويا 150 مليار ريال. ومعظم البنية التحتية للمملكة مصممة ومنفذة على النظام الأمريكي . والجيش السعودي مجهز بالكامل تقريبا حسب النظام العسكري الأمريكي ، كذلك بقية القطاعات العسكرية . أي أن ما حدث أمر منطقي جدا وفي سياقه ، المبلغ ضخم لكنه ضمن تطوير يشمل معظم القطاعات في الدولة متسقا مع رؤرية 2030 ، ولمدة عشر سنوات .
الأهم أن تلك الإتفاقيات تكرس النظرة المسقبلية للسعودية من خلال نقلة نوعية في كافة المجالات التي شملتها الاتفاقيات ، ففي المجال العسكري شملت إنشاء مصنع لتجميع طائرات توماهوك ، وتأسيس فرع لشركة رايثيون التي تعد من أكبر 10 شركات دفاع في العالم لإنشاء قدرات محلية . وتعمل شركة جنرال دايناميكس التي تصنف من أفضل ٥ شركات دفاع في العالم على توطين تصميم وتنفيذ المركبات القتالية المدرعة . تلك بعض الإتفاقات التي تم مع الجانب الأمريكي .
لا أدري أي الدول العربية تصنع صواريخ باتريوت التي تحمي أرض الحرمين بعد الله من صواريخ إيران الحوثية لنقوم بشراءها منهم ، أو أي دوله عربية تستطيع حتى تصنيع قذائف مدفعية متطوره ؟
وفي مجال الطاقة تهدف الاتفاقيات إلى نقل عمليات أرامكو للعمليات الرقمية ، وتطوير الحفر في البحر . ومشاريع في البنية التحتية والتعليم والصحة والتدريب والصناعات الرقمية الحديثة والطيران المدني .
بإختصار مجمل الاتفاقيات التي وقعت تتوافق مع رؤية 2030 ، أي أن الإتفاقيات خطوات عملية لتنفيذ بعض جوانب الرؤية لوضع المملكة في مصاف الدول الصناعية المتقدمة ، وتقدمها في ترتيب الدول العشرين الكبرى التي لم تقترب منه أي دوله عربية .
أخير لم أسمع ولم أرى من أولئك المحللين والكتاب من ناقش تلك الصفقات بموضوعية بعيدا عن التشكيك والتخوين والإستغباء وحتى الإستهبال بعبارات تدل على (حقد) لم يعد يخفى على ذي عقل ، علما بأن ٧٠٪ من الاتفاقيات تقريبا هي إتفاقيات تفاهم ومازالت في طور المباحثات والتفاوض ولم يتم توقيع إتفاقات نهائية لها .
المملكة العربية السعودية خصوصا ودول الخليج عموما تتقدم بإستمرار وتتعلم من أخطائها لتنتقل إلى مستويات أعلى دائما ، بينما أولئك المتحاذقين يتأخرون بإستمرار وينحدرون دوما . أقول لهم طبقوا نصائحكم على أنفسكم وأحفظوا ثروات أوطانكم لكم وأرفعوا مستويات الفقر المدقع التي تعيشها شعوبكم (إن كنتم صادقين) .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال