الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتطلع أنظار العالم في هذا الأسبوع نحو الولايات المتحدة الأمريكية انتظارا للقرار النهائي الذي سوف تتخذه إدارة الرئيس ترامب بشأن استمرارها في اتفاق باريس للتغير المناخي من عدمه. و إتفاق باريس هو إتفاق فريد من نوعه. فإنه من النادر أن تجمع دول العالم على شيء واحد. فلقد اتفقت 190 دولة علي خطورة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الكرة الأرضية و تم توقيع إتفاق تحت مسمى “اتفاق باريس للتغير المناخي” للعمل علي تخفيفها عن طريق تشجيع استخدامات الطاقة المتجددة و التقليل من استخدامات النفط والغاز الطبيعي. و كان التزام أمريكا في الاتفاق هو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 26٪ إلى 28٪ عن مستويات انبعاثها لعام 2005.
و السؤال الذي يطرح نفسه هو مالذي سوف يحدث لو قررت الولايات المتحدة الأمريكية الخروج من إتفاق باريس؟ وما هي الأضرار الناتجة عن انسحابها من الإتفاق عليها وعلى بقية دول العالم؟
سوف تستغرق الإدارة الأمريكية حوالي الأربع سنوات الإنسحاب رسميا من الاتفاق إذ أن اتفاق باريس هو عبارة عن سلسلة من الاتفاقات الأخرى إبتدأت في الأمم المتحدة منذ عام 1992. هذا فيما لو أن الإدارة الأمريكية أخذت الأنظمة والقوانين السارية و المعمول بها بعين الإعتبار. أو أنها تسطيع أن لا تنسحب من الإتفاق و إنما تتجاهله بعدم الإلتزام و عدم حضور الإجتماعات الخاصة بهذا الاتفاق كما حدث أثناء اجتماعات الـ G7 في الأسبوع الماضي. و عدم توقيع أي اتفاقيات مستقبلية أخرى.
فعلي الصعيد الاقتصادي، فإنه من المتوقع أن يكون حجم الأعمال في الطاقة المتجددة حوالي 6 ترليون دولار سنويا بحلول عام 2030. و الإنسحاب من الإتفاق سوف يعني أن الشركات الأمريكية سوف تتراجع عن صدارة العالم في مجال الطاقة المتجددة. و سوف يتركون موقعهم لدول أخرى مثل الصين التي أعلنت دعمها لصناعات الطاقة المتجددة بمبلغ 360 بليون دولار أو الهند التي تسير قدما في مشروعات الطاقة المتجددة.
و ذكرت جريدة الإندبندنت بأن الإدارة الأمريكية قامت هذا الأسبوع بإعلام “منظمة التجارة العالمية” رسميا بأنها سوف تبدأ في وضع ضريبة علي صادرات الألواح الشمسية الكهروضوئية إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية. و ذلك تحسبا لغزو الشركات الصينية العاملة في مجال الطاقة المتجددة بصورة أكبر وأعمق للأسواق الأمريكية خصوصا بعد إرتفاع الصادرات من الألواح الشمسية الكهروضوئية إلي داخل أمريكا إلى 8.3 بليون دولار في عام 2016 بزيادة 62.8٪ عن عام 2012. ” مقال الإندبندنت“
كما أن الطاقة المتجددة توفر حوالي 260،000 وظيفة عمل في الولايات المتحدة الأمريكية. و هذا مما دعي رؤساء حوالي 530 شركة متخصصة و 100 مستثمر في الطاقة المتجددة إلى كتابة خطاب إلي إدارة الرئيس ترامب يطالبون فيه بعدم الإنسحاب من الإتفاق و الإلتزام بسياسات تخفيض إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون. مؤكدين بأن الإنسحاب من الإتفاق سوف يضر بالمصالح التجارية الأمريكية عالميا. بالإضافة إلى التسبب في ضياع آلاف الوظائف التي توفرها إقتصاديات الطاقة المتجددة. كما أن الإنسحاب من الإتفاق الآن سوف يعني صرف ترليونات الدولارات مستقبلا للتعامل مع مشكلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
و من المتوقع أن تستمر الشركات الأمريكية في العمل في مجال الطاقة المتجددة. حتي بدون الدعم الحكومي الذي يقتضيه إتفاق باريس. و قد تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق نسبة محدودة من تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي إلتزمت بها في إتفاق باريس.
و من الأمور التي قد تحدث في حال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق هو ضعف الإنفاق علي الأبحاث الخاصة بالطاقة المتجددة كاللوحات الشمسية الكهروضوئية. و بالتالي فإن تطوير كفاءتها إلي الأفضل أداءً والأقل سعر سيكون محدودا. و قد يؤدي بطء تطويرها أو عدمه إلى عدم تمكن تقنياتها من التنافس إقتصاديا في صناعة الطاقة.
أما علي الصعيد السياسي. فقد ذكرت مجلة فاست كومباني (Fast Company) تصريحات البروفسور أندرو لايت. و كان أحد المشاركين مع الفريق الأمريكي في مناقشات إتفاق باريس. و يعمل الآن في مؤسسة المصادر العالمية التطوعية (اضطررنا آنذاك إلي الضغط علي قادة الكثير من الدول للتوقيع علي الإتفاق. و سوف تشهد الولايات المتحدة أزمات سياسية في حال إنسحبت من الإتفاق. و سوف تكون أزمات حادة في مختلف الإدارات الحكومية التي تهم أمريكا أكثر بكثير من التغير المناخي) ” مقال فاست كومباني“. و في حال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الإتفاق، فإنه من المتوقع أن تحدث إنسحابات بالجملة و خصوصا من الدول التي تم الضغط عليها للتوقيع علي الإتفاق.
و بالفعل فقد كتبت جريدة الجارديان بأن رئيسة وزراء ألمانيا. السيدة ميركل. صرحت بعد إجتماع الـ G7 في الأسبوع الماضي (بأنه علي دول أوروبا الإعتماد علي أنفسهم في تحقيق مصالحهم إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد شريكا يمكن الإعتماد عليه). و كان ذلك عندما لم يحضر ممثلوا الولايات المتحدة الأمريكية المناقشات الخاصة بإتفاق باريس أثناء المؤتمر. ” مقال الجارديان “.
إن إنسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من إتفاق مهم لجميع دول العالم مثل إتفاق باريس يؤكد علي حقيقة مهمة يجب أن تفهمها بقية دول العالم و تأخذها في عين الإعتبار. فالدول المتقدمة و المعروفة “بدول المؤسسات” من الممكن أن ترضخ لرغبة شخص واحد. كما أن الدول القوية تدير دفة القرارات و توقيع الإتفاقات في الأمم المتحدة و غيرها بناء علي مصالحها الشخصية. و هذه الدول، ليس لديها في العادة أي مانع من الإنسحاب من أي إتفاق فيما لو رأت فيه عدم تحقيق مصالحها. و بغض النظر عن أهمية هذا الإتفاق لبقية دول العالم الأخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال