الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إمتداداً لطرح سابق بعنوان “مخاطر تهدد برنامج التوازن المالي” هنا ، وبعد سنة من إطلاق الرؤية 2030 ووضوح الاتجاه أكثر رأيت أن أتوسع في طرح المخاطر أو التحديات لتشمل برامج ومبادرات وصفقات مشاريع وربطها بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية اجتهاداً مني لقراءة تصورية لتحديات قادمة من أساس تنموي أستطيع تبويبها على ستة محاور، مع ملاحظة أن كل محور يؤثر ويؤدي إلى المحور التالي له، وهي:
أولاً: تحديات عزل أفراد مجتمع وحكومة التحول الاقتصادي عن الأحداث السياسة، فشلت عدة دول لاتينية، ونجحت دبي وماليزيا وسنغافورة في عملية تحولها عندما عزلت ملفات التنمية عن الخلافات السياسية أو أنها وظفت العامل السياسي ليخدم خططها الاقتصادية التنموية، وليس العكس بأن توظف العامل الاقتصادي ليخدم عامل التوجه السياسي، وأضع مثالاً في أن جهود استقرار النفط ليس لها علاقة بأضعاف أو تقوية دول أكثر من كونها متطلب لاستقرار مالي عالمي.
الصين الآن تواجه عقبة كبرى في تسويق مشروع طريق الحرير لنظرة بعض الدول له على أنه مشروع سياسي. العلاقة هنا للمملكة هو توقيت إطلاق برنامج تحول اقتصادي مع تحولات جيوسياسية كبرى تتطلب أن تقودها المملكة لتنجح، وهذا برأيي تحدي مستجد سيقودنا للمحور الثاني التالي.
ثانياً: تحديات الجمع بين الاستقرار الاقتصادي والنمو المستهدف، اشرت في الطرح السابق الذي ذكرته ووضعت رابطه أعلاه كيف أن تقوية مركز مالي الحكومة يتطلب أن يكون على حساب مكون القطاع الخاص الوطني ومكون الوضع الاقتصادي لأفراد المجتمع. ولكي تعمل المملكة لقيادة التحول الجيوسياسي فهذا يتطلب منها قوة في مركزها المالي “مركز الاقتصاد الكلي”، ومن التحدي أن تجمع أي حكومة بين تقوية واستقرار مركز مالي واقتصادي مع نمو اقتصادي مستهدف بالذات إذا علمنا أن المملكة تستهدف مضاعفة حجم اقتصادها قرابة ثلاث مرات بنهاية 2030، ويمكن الاسترشاد بمدى توازن نمو مؤشرات قطاعية للمقارنة.
ثالثاً: تحديات التوازن بين الاستثمار الخارجي والمحلي، كنتيجة لأعلاه ونحن نعلم ووفق تقارير أمريكية مثلاً نجد استثمارات المملكة “مباشرة وغير مباشرة” بأمريكا وحدها تصل لـ 3.7 تريليون ريال، أعلى من حجم الاقتصادالحالي بـ 1.4 تريليون ريال، ومتوقع تصل لـ 5.6 تريليون ريال بنهاية 2030 وفق صفقات وتحولات جديدة حدثت بعد تدشين خطة التحول. هذا بدوره سيشكل تحدياً حول حصة النمو المحلي وقطاعه الخاص مضافاً لها كلفة التمويل ظل اتجاه صعودي لمعدلات فائدة، ويمكن للمتخصص الاسترشاد بالمركز المالي لمؤسسة النقد “ساما” وصندوق الاستثمارات كمؤشر لهذا المحور، حينها تؤمل المملكة على المخصص للأنفاق الداخلي وعملية الخصخصة التي ستقودنا للمحور الرابع التالي.
رابعاً: تحديات تنفيذية لهدف سلسلة القيمة المضافة للاستثمار الأجنبي والخصخصة محلياً، الاستثمارالأجنبي الكبير موجود بالمملكة منذ فترة طويلة، ولسنا بحاجة لذكر أمثلة له فهي شركات كبرى معروفة بأسمائها وتخصصاتها، التحدي يكمن في “إعادة توجيه” الحالي ولما بعد توقيع الاتفاقيات للجديد منها وبدء عملها وتحديات عند مستوى ثاني وثالث وظيفي لتنفيذ خطة عملها بالداخل من “انتشار” تدريب وتأهيل ومنح دراسية وتوظيف توطيني وتفعيل أذرعه صناديق استثمار هذه الشركات الأجنبية نحو ابتكارات وطنية شابة ومشاريع صغيرة كذلك التفاعل لها مع سلسلة توريداتها وهذا هو التحدي الأصعب.
أما الخصخصة وتحدياتها ولأهمية دورها فكان لها طرح مستقل هنا، هذه المرحلة تقودنا لمحور التحدي الخامس.
خامساً: تحدي كفاءة سوق العمل المتطلب للتحول المستهدف، حيث اتفقت كافة التقارير الرسمية منها كتقرير وزارة الاقتصاد 2015 وأبحاث وتقارير منظمات دولية وعلى مستوى دول الخليج وليس فقط المملكة أن قطاعها الخاص الذي يعوّل عليه قيادة الاقتصاد يجابه عقبة كبرى تتمثل في خلق وظائف عمالة ماهرة لمواطنيها بدلاً من وجود عمالة غير ماهرة بمعظم القطاعات، وأن هناك هدر مالي بهذا الشأن إضافة لعقبات تنافسية كفاءة أداء تنظيمات سوق العمل، وهذه ولأهميتها أيضاً كان لها طرح سابق هنا .
سادساً: تحدي عزل صفقات المشاريع المخطط لها عن المكتسبات الشخصية، أي عملية تحول اقتصادي يكون عمودها القطاع الخاص يعني أن هناك عقود ومناقصات وصفقات، ومن الطبيعي أن يصاحبها البحث عن المكتسبات الشخصية لدى أعضاء المنظم لها، لكن التحدي هنا يكمن في تعطيل تكليف الأفضل والأجدى اقتصاديا، أو توجيه استثمار الموارد المالية لهدف الحصول على مكتسبات جانبيه بغض النظر لمدى تطابقها لمستهدفات التحول وتكلفة الفرصة البديلة، تحدي يتطلب مستوى عالي جداً من الحوكمة والحس الوطني بعيد الأفق.
سابعاً: تحدي تأخر ظهور نتائج ومخرجات التحول على مستوى أفراد المجتمع، المتخصص بسياسات التنمية يعرف أن آثار إيجابية عمليات التحول الاقتصادي لأي دولة ” إذا نجحت بتفادي هذه التحديات” على أفراد مجتمعه مثل وظائف وتحسن الدخل والمستوى المعيشي وجودة وتنافسية الخدمات لن تظهر للمدى القصير، وهذا يشكل تحدي ضغط شعبي يعتمد مداه على وضعه الحالي ويعتمد على مدى مشاركته والقطاع الخاص بعملية التحول والشفافية والمصارحة معهم وليس عبر تلقيه طلب التغيير ومفاجئته، وهذه ملاحظة سجلتها عدة تقارير.
كل محور هنا يستحق بحث لوحده، لكن أستطيع تلخيص هذه التحديات أن بعضها حتمي وتضحيات لابد منها، ومعظمها تتطلب قدرات إدارة تنفيذيه بشرية وطنية بمستوى عالي كيف تعمل محركات الاقتصاد ضمن إطار حوكمة متقدم، مستهدفات حجم العمل لتحول المملكة ضخم جداّ، وتحديات توازن سيرها وتنفيذها هي الأصعب القادم ظل أعلاه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال