الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من الأشياء التي قد لا يعرفها الكثيرون، أن النظام (القانون) في السعودية يحظر على المحامين الدعاية والترويج والإعلان لأعمالهم. هذا الحظر ورد في اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة في مادته الثالثة عشر التي تنص على أنّه (ليس للمحامي أن يعلن عن نفسه بشكل دعائي في أي وسيلة إعلانية).
ويُبَرّر هذا الحظر غالبًا بأنه جاء لحفظ مكانة مهنة المحاماة وهيبتها. وأن سعي ممارسها وراء قضية أو تصيّد موكل لا يتناسب مع سموها وعظمتها. في المقابل نجد أن الأنظمة في المجتمعات المتقدمة في المجالين القانوني والقضائي مثل فرنسا والولايات المتحدة تسمح للمحامي بالإعلان والدعاية لنفسه، وفق شروط معيّنة يحددها القانون مثل أن تكون الدعاية صحيحة ودقيقة، وألا تكون مضللة، وأن تتماشى مع المصلحة العامة.كما يُشترط أيضًا أن تكون على مستوى عال من الاحترافية.
رغم الحظر إلا أننا نجد الكثير من المحامين لدينا يقومون بالدعاية والإعلان والترويج لأعمالهم بطرق ووسائل مختلفة عن المألوف، ولا يُمكن أن يلاحظها إلا المحامون أنفسهم وأغلبهم لا يرغبون في كشفها، أو مواطنًا وقعت بين يديه المادة الثالثة عشر من اللائحة التنفيذية لنظام مهنة المحاماة وغالبًا هذا المواطن غير موجود.
ولذلك نرى بأن كثيرًا من المحامين قد ذاع صيتهم من خلال اقتحامهم وسائل التواصل الاجتماعي وظهورهم وبثّهم المستمر فيها. ومنهم من روج لنفسه بتصوير عمله ومكتبه كجمعية خيرية عن طريق الإعلان كل فترة عن الترافع تطوعًا في قضية شغلت الرأي العام وغالبًا لا ندري ما يحصل بعد ذلك، بالإضافة للاستشارات المجانية التي يدّعي القيام بها ولا نعرف كذلك مدى صحتها أو جودتها.
ومنهم من استغل اهتمام فئة كبيرة من المجتمع بنشاطات معينة مثل كرة القدم كونها النشاط الأكثر جذبًأ للاهتمام فأصبح جزءًا من هذا النشاط وحقق من خلال ذلك شهرةً واسعة. ومنهم من لَمَع اسمه من خلال تفاعله بمشاركاته وتنظيمه للدورات والمؤتمرات. كما أن من وسائل الدعاية المحترفة أيضًا، رئاسة اللجان المهنية والحرص على عضويتها وأنشطتها رغم استحداث هيئة أخرى تنسخ وجودها ووظيفتها.
وهذه اللجان -التي ما زالت مستمرة ببركة تراخي الجهات المسؤولة- توفر لأعضائها فرصة لأن يكونوا على اتصال مباشر مع الأوساط المالية والتجارية ورجال الأعمال. وهذا يمنحهم ميزة غير متاحة للمحامين الآخرين للدعاية وترويج خدماتهم. ومن وسائل الدعاية البسيطة كذلك نجد أن كثيرًا من المحامين قد أبرز اسمه من خلال لوحات مكتبه الخارجية التي يفوق حجمها عمله وتفوق مساحتها مساحة مكتبه. حتى أن منهم من عبأها بعبارات تسويقية مثل (القاضي السابق- رئيس المحكمة السابق- عضو هيئة التحقيق السابق- الخ).
نشاهد كل هذه الظواهر بالرغم من وجود اشتراطات لمواصفات اللوحات الداخلية والخارجية لمكاتب المحاماة، وتحديد لمقاسها ولونها ومضمونها. كما أن وزارة العدل صرحت بإمهال مكاتب المحاماة المخالفة لهذه الاشتراطات 48 ساعة من موعد الإخطار للتعديل التزامًا بما تشترطه الأنظمة. الجدير بالذكر أن هذا التصريح تجاوز مهلة الثمان والأربعين ساعة بخمس سنوات، إلا أننا لم نرَ اتخاذ أي إجراء. فلا أعلم إن كانت وزارة العدل (رجعت في كلامها) أم أننا نعاني من بعض المشاكل في التنظيم والإشراف والرقابة؟ أو في آلية التنفيذ، أم كل تلك المشاكل مجتمعة؟.
قد يستهجن بعض المختصين استخدام المحامين لهذه الوسائل الدعائية رغم وجود الحظر، وقد يستهجن البعض الآخر التنظيم الذي ينص على حظرهم من الأساس عن الدعاية لأنفسهم. فالمحاماة مهنة كغيرها من المهن، يعتمد ممارسها عليها كمصدر دخل له، فمثلها مثل التعليم والطب والتمريض والهندسة وغيرها من الأعمال التي تشترك مع المحاماة في أنها تشترط على ممارسها النزاهة والأمانة والصدق والاحترافية.
كما أنها من أكثر المهن التي تتطلب لنجاحها واستمراريتها صنع اسم في سوق الخدمات القانونية والحفاظ عليه، والدعاية إحدى الوسائل لتحقيق ذلك. لذلك فإنّ ما يثير التساؤل هنا هو: بما أن هذا الحظر جاء لحفظ المهنة ومكانتها، هل كان هنالك مراعاة للفوارق بين مكانة المحامي واحترامه والحصانات التي يتمتع بها في مجتمعنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى التي من الوارد جدًا أن يكون هذا الحظر جاء مقتديًا بقوانينها؟.
وهل وضعت الأنظمة، حينما نصت على هذا الحظر في حسبانها تدني الثقافة القانونية والحقوقية لدينا؟
وهل يعتبر في صالح الثقافة القانونية -التي نردد دائمًا بأنها متدنية- أن يُمنع المحامون من الترويج لخدماتهم وإظهار الحالات التي يستطيعون أن يقدموا فيها خدمات قانونية احترافية عند الحاجة؟
وهل هذا الحظر من الممكن أن يرفع من مستوى الوعي القانوني أم العكس؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال