الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا تفتأ شركاتٌ كثيرة تدور في دوامة الإنتاج والتسويق وضخ السلع ذاتها إلى منافذ البيع أو تقديم الخدمات بأسلوب واحد منذ عشرات السنين دون أن تتوقف قليلاً لتقيس اتجاهات السوق، واحتياجات المستهلك من جهة ورغباته من جهة أخرى، أو تسأل عن المنتجات التي تلائم اهتمامات الناس وتواكب متطلبات حياتهم أو عن الأفكار التي يمكن دعمها وتطويرها، أو تستمع إلى صوتٍ خارج الصندوق.
يتكرر ذلك الروتين بشكل مرهق للشركات المنتجة وللمسوقين الذين يحبسون أنفاسهم مع كل ريادة شابة لعمل جديد خشية أن تنافسها في “عنصر التجديد” الذي يحبه المجتمع ويجيده شباب الأعمال ويشكل هاجساً لكبرى الشركات والمؤسسات، فتقف عاجزة عن استخدام أدوات حديثة يمكن أن تقيس بها احتياجات المستهلك وواقعه واهتماماته المتجددة، ولن يطول صمودها إزاء الأنشطة التكاملية والاقتصاد التشاركي الذي يتخلّق الآن محلياً وعالمياً بأيدٍ شابة.
المطلوب من الشركات اليوم في ظل المنعطف الاقتصادي الحاد والخصب -في الآن ذاته- هو أن تخصص جزءاً من مواردها البشرية المؤهلة للقياس الدقيق لواقع واحتياجات وتطلعات المستهلك بشرائحه المتفاوتة واستشراف التغيرات المرحلية التي يمرّ بها المستفيدون من خدماتها أو من يفترض أن تشملهم قائمة خدماتها، وقياس مدى الفائدة الفعلية والجدوى الحقيقية لاستمرار سلعة أو خدمة ما،أو تلك التي يتم التحضير لها.
ذات الأسلوب هو ما تستخدمه الشركات العالمية الناجحة في تسويق منتجاتها وتطوير خدماتها واحتلال الأولوية في رغبات المستهلكين وميولهم لكونها لامست احتياجاتهم وأذواقهم، وذات الأسلوب هو ما تجاهلته شركات (كانت) عملاقة في زمنٍ ما ثم تلاشى حضورها وتهاوت فروعها الفرع تلو الفرع وتبخرت قوتها التسويقية لأنها لم تجدد أدواتها في قياس احتياجات المستهلك وتستشرف المتغيرات.
في السوق السعودي على سبيل المثال نجد أن المؤشر العام لتكلفة المعيشة لشهر مايو 2017م مقارنة بنظيره من العام 2016م -وفقاً لتقرير الرقم القياسي لتكلفة المعيشة الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء- قد سجل انخفاضاً طفيفاً بنسبة 0.7% واحتلت الأغذية والمشروبات الدرجة الأولى في الانخفاض بين القطاعات الاستهلاكية العامة بنسبة بلغت 2.3% وهو ما يشكل تهديداً لشركات الأغذية والمشروبات ويمثل انعكاساً طبيعياً لتراجع دخل الفرد الشهري طبقاً للتدابير والإجراءات الحكومية التي اتُخذت في العام نفسه لتحسين كفاءة الإنفاق.
ويتطلب أيضاً من تلك الشركات إعادة قراءة مستقبل منتجاتها خاصة سريعة التحضير وقصيرة الصلاحية، كما تلا ذلك القطاع قطاعات أخرى في نسب الانخفاض كالنقل، والفنادق، والترفيه، والأثاث والتجهيزات المنزلية، ومع هذه المؤشرات التي تتطلب تحليلاً للأسباب وعصفاً للحلول تجد أن بعض الشركات لا تكترث سوى للدخل الشهري والربع السنوي والسنوي الذي يخدعها بجدوى استمرار المنتج لكنها جدوىً مؤقتة فحسب، وعلى العكس من ذلك فقد حقق قطاع الاتصالات أعلى معدل ارتفاع بين القطاعات المجدولة ضمن التقرير حيث بلغت النسبة 2.1% وهو ما يعطي انطباعاً عن الإسهام الحيوي لفئة الشباب في تعزيز القوة الشرائية لأي منتج أو خدمة كونها الفئة العمرية الأكثر سكانياً، والأعلى استخداماً للهواتف وخدمات الأنترنت، وهو ما يمثل زاوية نظر مهمة عند قياس اتجاه السوق أو السلوك الاستهلاكي، ويؤكدها قطاع التعليم والتدريب الذي حقق هو الآخر ثاني أعلى نسبة نمو استهلاكي بنسبة بلغت 1.8% رغم معدل الانخفاض العام.
والركود الاقتصادي –بالمناسبة- يعد من الأسباب التي ترفع الطلب على الخدمات التعليمية نظراً لتنامي نسب البطالة وشح الوظائف العليا التي تجعل شريحة الشباب والفتيات يبحثون عن فرص تأهيل أفضل، ومتوقعٌ أن تنعكس آثار الأوامر الملكية الكريمة مؤخراً بإعادة البدلات والمزايا المالية على نمو الاستهلاك العام، وربما يكون الانعكاس ملحوظاً على قطاع السياحة والفندقة لتزامنه مع موسم الإجازة الصيفية.
إن القياس المستمر لاحتياجات ورغبات المستهلك والذائقة السوقية والتقويم الدائم لمدى ملائمة المنتجات للفئات المستهدفة هو الديباجة التي يجب أن تُفتتح بها الاجتماعات واللقاءات التحضيرية قبل البدء بالإعداد لأي منتج جديد تزمع الشركة طرحه في السوق، على أولئك المنتجين أو المسوقين أن يسألوا أنفسهم أولاً (ما مدى حاجة السوق لهذا المنتج؟) ثم يأتي التحليل الرباعي لعوامل القوة والضعف والفرص والتهديدات ثانياً.
كما أن التغيرات الكثيفة التي يمر بها الاقتصاد العالمي طبقاً للمنعرجات السياسية المؤثرة تتطلب تجديداً دائماً بل تحديثاً لحظياً لقائمة المنتجات والخدمات بالحذف والإضافة وتعديل الأولويات والثانويات، وما تمر به كذلك التنمية المحلية من تحديثات هيكلية للوزارات والجهات التنظيمية التي قد تغير الكثير من الأولويات التسويقية فقد تدخل مؤسسةٌ رسمية على خط المنافسة لتقديم سلعة أو خدمة ما -في ظل فارق الإمكانات- وربما تبنّت تلك المؤسسة تشغيل مجال تتجاوز به جهود المتنافسين التقليديين وميزاتهم التنافسية المحدودة، فهنا من الممكن أن تتجه خطة الشركة إلى الإسهام في استراتيجية تلك المؤسسات العامة إذا ما سنحت لها الفرصة لتبادل الخبرات وتكامل الأدوار أو تعيد أولوياتها بشكل مبكر لسلع أو خدمات أخرى لم تحظ بعد بخاتم المؤسسات الرسمية التي قد تتطور لاحقاً كمنافس مفترس يتمتع بما لا تتمتع به الشركات الربحية.
وهكذا تجد الشركات نفسها معنيّة دوماً بالقياس المتجدد لاحتياجات السوق وذائقته العامة ومدى قدرة الصمود أمام منافسة المؤسسات الأخرى، ولن يكون ذلك إلا بأدوات موضوعية دقيقة.
وللأسف فإن البعض -من أعضاء مجالس الإدارات ومدراء التنفيذ والعموم- يغفوا على أنغام النجاح المحدود للسلع والخدمات التي كان نجاحها مرهوناً بفترة زمنية ماضية ولم تعد اليوم تمثل تلبية فعلية لاحتياج المستهلك أو رغبته أو تتسق مع اتجاه السوق؛ ماجعلهم يكررون ذات الممارسات وذات الأسلوب في كل مرة ويجترّون زماناً ماضياً في واقع متغير، وغفوة أولئك على تلك الأنغام لم تكن إلا بعد أن فقدوا أدوات القياس الموضوعية لواقع السوق ومتغيراته وافتقروا إلى الكفاءات المتخصصة في استخدام أدوات قياس حديثة بل وخلق أدوات أكثر حداثة وأدق نتيجة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال