الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المملكة العربية السعودية دولة مترامية الأطراف، فهي ثاني أكبر بلد عربي من حيث المساحة، ورابع أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان. وأكثر من ثلثي سكانها البالغ عددهم حسب آخر إحصائية مايقارب 32 مليون نسمة، يقطنون في ثلاث مناطق رئيسية الوسطى والغربية والشرقية. الجدير بالذكر أن غالبية المشاريع وخطط التنمية والتطوير والإمكانيات والخدمات ترتكز في هذه المناطق. وبالتالي فيمكننا اعتبار أن الدعم الحكومي متفاوت من منطقة لأخرى، إذ نلاحظ أنه بالنسبة للمناطق الأخرى التي يسميها البعض المدن الصغرى أو المناطق الغير رئيسية، أو “النائية” فيمكن القول بأنها تعاني من ضعف الإمكانيات وعدم توفر الخدمات مقارنة بالكبرى أو الرئيسية، وبالتالي يمكننا تصنيفها بأنها مناطق مُهَمّشَة.
بالنسبة للخدمات القانونية لهذه المناطق وساكنيها، التي تعتمد بالأساس على وجود محامي يُستعان به في حال تطّلب منه خدمة كالاستشارة أو الترافع. وحسب بعض الإحصائيات الرسمية فإن الكثير من المدن الصغرى لا يتجاوز عدد المحامين فيها أصابع اليد الواحدة بل أن بعضها لا يتواجد بها سوى محامي واحد فقط، في حين لا يقل عدد سكان هذه المدن عن مئات الآلاف.
على سبيل المثال: الباحة يتوفر فيها (6) محامون فقط بينما يصل عدد سكانها لأكثر من (100) ألف نسمة، والجوف أربع محامين مقابل مايقارب نصف مليون نسمة، والدوادمي محامي واحد فقط يقدم خدمات قانونية لما يقارب (165) ألف نسمة، والقطيف محاميين لخدمة (400) ألف نسمة.
والأحساء رغم أنها تعد من المدن الكبرى من حيث المساحة وعدد سكانها يتجاوز مليون نسمة، إلا أنه لا يتوفر بها أكثر من (19) محام، وحفر الباطن التي لا يفصل بينها وبين الكويت إلا كيلومترات ونَزَحَ الكثير من محامينها إلى هناك لأسباب لا يعلمها إلا الله -وربما المسؤولون عن وضع الأنظمة- تشير الإحصائيات أن عدد محامينها هو عشرة محامين وعدد سكانها مقارب لنصف مليون بني آدم. خميس مشيط أيضًا وضعها مشابه فهنالك أكثر من (700) ألف نسمة لا يجدون إلا (11) محام يلجأون إليهم، وأخيرًا حائل ستة محامين لأربعمئة ألف إنسان.
نلاحظ من خلال هذه الأعداد التقريبية المستندة على المواقع الإلكترونية لوزارة العدل والهيئة العامة للإحصاء والأمانات العامة والمحافظات، أن هنالك ندرة وَشُح في عدد المحامين بالنسبة لسكان هذه المدن. فهل هذه المدن وُضِعت في حسبان الجهات المسؤولة على أنها مدن فاضلة لا يتعرض أهلها لمشاكل وقضايا يحتاجون أن يلجأوا فيها لمحامي أو قانوني لنيل حقوقهم أو حل مشاكلهم؟ وحقيقةً اتساءل: ما العوامل التي أدّت لضعف إمكانيات وتهميش هذه المناطق وانحدار مستوى الخدمات إلى هذا الحد؟ رغم أن التقسيم الإداري للأمانات والمحافظات في كافة المملكة لا يختلف عن بعضه.
لكن هل تعتقدون أن قلة المحامين في هذه المناطق أو حتى المناطق الكبرى تعتبر مشكلة؟ إطلاقًا. ولو قمنا بنفس الحسبة في المدن الكبرى سنجد أنها لا تختلف كثيرًا عن المدن الصغرى من حيث النسبة. والغريب في الأمر أننا سنجد هنالك محامون “يهشون الذباب” في مكاتبهم، ومنهم من يسعى وراء قضية أو يتصيد موكل حتى ينعش عمله أو يحييه من الركام وهو رميم. إذ لدينا 10% فقط من المحتاجين للخدمة القانونية يستعينون بمحامٍ، والباقين يستعينون بالله ثم بالنظام الذي يسمح لهم بالترافع لأنفسهم.
وثقافة الاستعانة بمحامي أو التعاقد مع محامي لفرد أو شركة أو أسرة غير شائعة لدينا. ليس هنالك أسباب موثقة أو إحصائيات رسمية تبيّن أسباب ركود سوق الخدمات القانونية، لكن المهتمين بالأمر يرجئون هذا الخلل إلى ضعف الثقافة القانونية في المجتمع، وأن صورة المحامي بالنسبة للناس لا تحظى بالاحترام والتقدير وأنّه يمارس مهنة نبيلة، بل يستغل حاجة اللاجئين له بالمبالغة في أتعابه.
إلا أن معاناة المدن الصغيرة لا تُقارن بالمدن الكبرى رغم أنهم يواجهون نفس المعضلة. فكيف يمكننا أن نتصور حال عامل يواجه مشكلة مع صاحب العمل، أو زوجة تعاني من عنف أسري، أو فتاة تعرضت لموقف ابتزاز، وغيرها من القضايا التي من الممكن أن يواجهها أي شخص في العالم إذا كان من سكان إحدى تلك المدن إذا ما علمنا أنه لا يوجد في كلٍ منها إلا محامي واحد أو اثنين أو ثلاثة على أكثر تقدير؟ هل “القانطين” في هذه المناطق لا يعانون من نفس المشكلات التي يعيشها الساكن في جدة أو الرياض أو الدمام مثلًا؟ أم أن الاعتماد على فزعات كبار القبائل يُغني عن وجود الخدمات القانونية؟
ما السبب أن هذه المدن الصغيرة لا تتلقى خدمات مثل المتوفرة في المدن الأخرى؟ طالما أن جميع المواطنين متساويين في الحقوق والالتزمات، إذًا لماذا لا يحظى الجميع بنفس الخدمات وما يتبعها من مميزات وبالتالي العيش اللائق وبالتالي تتحقق العدالة؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال