الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لابد لأي قرار اقتصادي من آثار سلبية، ومن يتحدثون عن سلبيات قرار الرسوم على الوافدين بأنواعها الثلاث ومستوياتها المختلفة محقون في أن للقرار سلبيات بعضها قد يكون مؤذيا . لكن هل السلبيات بالضخامة التي يحاول البعض تصويرها وكأن الإقتصاد السعودي سيتوقف بسبب تلك الرسوم ؟
أظن البعض قد بالغ كثيرا في ذلك حتى سمعنا من يقول أن المطارات السعودية تكتظ بالعمالة الهاربة بسبب تلك الرسوم . لست أفهم كيف يسوغ البعض طرح فكرتين متعارضتين وأنهما ستحدثان معا وبنفس القوة ؟ الأولى تحميل المواطن تلك الرسوم عن طريق رفع الأسعار والأجور ، ثم إن الوافدين سوف يتركون أعمالهم بسببها. إذا حدثت الأولى قطعا لن تحدث الثانية هذا مبدئيا، والعكس ليس صحيحا بالضرورة .
بالنسبة لتحميل المواطن كل تلك الرسوم غير دقيق اقتصاديا ، فليس من السهل تحويل أي تكلفة تقع على التاجر إلى المستهلك مباشرة بسبب المنافسة ؛ فتباين التكاليف بين التجّار يفرض الالتزام بمستويات مقبولة من الأسعار، حتى المحتكر لا يستطيع ذلك بسبب تأثر القوة الشرائية للمستهلكين الذين سيقبلون بارتفاع مقبول للأسعار السلع والخدمات بعدها سيمتنعون عن الشراء لعدم قدرتهم.
ثم إن معظم التجار في مختلف الأنشطة لديهم هامش ربح ضخم يمكّنهم من تحمل بعض تلك التكاليف دون تحميلها على العملاء، وإن كان البعض يشكك في رجال الأعمال أنهم لن يقبلوا بتراجع هامش ربحهم ولو شيئا يسيرا.
أما ترك العمالة لسوق العمل السعودي فأظنها من النكت غيرالمضحكة ، بل إن مسوقي هذا النكتة يتحدثون عن خروج العمالة فعلا من المملكة ، وتحدث بعضهم عن فراغ الشقق من المستأجرين . في حين أن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن عدد العمالة قد تجاوز 11 مليون غير المرافقين أي أن العدد يزداد ولا ينقص . ولو خففت المملكة قيود الاستقدام قليلا لرأينا أضعاف هذه الأعداد مع وجود الضرائب والرسوم .
أما أن خروج العمالة نكتة فهي كذلك لأن فرصهم في سوق العمل السعودي ليس من السهل عليهم تعويضها في أي مكان أخر حتى مع كل الزيادات القادمة ، فلا حجم الدخل ولا سهولة الحياة ، ولاحتى نسبة الضريبة بالنسبة للدخول مقارنة ببلادهم وأي مكان أخر .
فالرواتب التي أعلنتها وزارة العمل للعمالة الوافدة في القطاع الخاص لاتمثل كل دخل العامل بل مجرد الراتب فقط ، فغالبا ماتكون دخول العمالة أكبر بكثير لأسباب يطول شرحها الأن . أي أن معظمهم قادرون على تحمل تلك الضرائب من خلال دخولهم المختلفة، فضلا عن إعلان الشركات أنها ستتحمل تلك الضرائب عنهم . لذلك اعتقد أنه لن يخرج عامل من سوق العمل نتيجة الضرائب القادمة إلا في حالة واحدة فقط أنه زائد على سوق العمل ولا يجد عملا فعلا وهذا خروجه ضرورة ومن أهداف الضرائب المباشرة ، أما من يجد عملا فلن يخرج . بل أكاد أجزم حتى من لا يجد عمل لن يخرج إلا إذا أجبر على ذلك .
وبالتالي فإن الحديث عن تأثر بعض القطاعات الاقتصادية بتلك الرسوم وتحديدا قطاع البناء والتشييد مبالغ فيه أيضا، فقطاع البناء والتشييد مرتبط مباشرة بالمشاريع الحكومية والدعم الحكومي للمواطنين ودخول المواطنين ، والتراجع في أسعار معظم مواد البناء أكبر بكثير من زيادات الرسوم ، أي أن الأثر أقل مما يُصور .
إذا كانت رؤية المملكة 2030 التي صُممت تلك الضرائب بناء عليها أعلى طموحاتها أن تنخفض البطالة بين الشباب السعودي إلى 7% فقط نزولا من 12% ، أي أن عدد العمالة الوافدة في السوق السعودية بناء على تلك النسبة لن يتأثر حتى بعد مرور 15 سنة من الأن .
وأقبح ما سمعت من الآثار أن أعدادا كبيرة من العمالة سوف تتحول إلى عمالة مخالفة حتى لا تتحمل هي أو مؤسساتها تكاليف الضرائب . فإن كان الأمر بهذه السهولة فعلا ، ولم يعد لبيانات وزارة العمل ولا لسلطة الدولة أي قيمة ، حتى مع وجود قوانين تحكم هذاالأمر ، فإن تلك الضرائب لن يكون لها أي أثر مطلقا أصلا فلا داعي للبكاء على الشركات والعمالة ، ولنبكي على أنفسنا أن الاحتلال أصبح كامل الشروط . وطرح هذا الأثر بتلك البساطة يضع المبررات للفساد ويسهل الأمر له .
كما أن الحديث عن تأثر القوة الشرائية في الاقتصاد السعودي كلاما مبالغ فيه أيضا ، أولا كما أسلفنا أن خروج العمالة لن يكون كبيرا ولامؤثرا ، وهذا هو السبب الأهم ؛ وثانيا لأن أعداد كبيرة من العمالة خصوصا من الطبقة الأقل أجرا أثرهم في القوة الشرائية محدودا من الأساس . والأهم من كل ذلك أن الأثر الأكبر للقوة الشرائية في الاقتصاد السعودي هي للمواطنين . وأي تراجع في القوة الشرائية فإن سببه الأول هو تأثر دخول المواطنين السعوديين وليس ضرائب العمالة .
أخيرا ظل الكتاب الاقتصاديون ولسنوات طويلة يتحدثون عن مشاكل سوق العمل السعودي ووجوب تصحيحه ، ومن ضمن المطالبات وجوب فرض ضرائب على الدخل لما لها من فوائد أسهب في سردها بعض الزملاء خلال الفترة الماضية ؛ فلما بدأت الحكومة بالسير في الطريق الصحيح بخطوات صغيرة لتصحيح الوضع القائم ، انقلب بعض الكتاب على ما كانوا ينادون به ، بل إن بعضهم يتحدث بلسان رجال الأعمال والعمال فقط دون النظر لما يعانيه الشباب والمجتمع من إحتلال العمالة للسوق السعودي ، ويضعون لهم المبررات بالضغط على الحكومة .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال