الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
احتراف المحاماة مهنةٌ حديثةُ عهدٍ في مجتمعنا، إذ أن نظام المحاماة صدر عام 1422هـ، وصفة المحامي لم تكتسب السمة النظامية إلا قبل حوالي عقدين من الزمن. هذا بالنسبة للرجال، أما بالنسبة للسيدات فلا يتجاوز عمر هذه الصفة خمس سنوات. وحسب آخر إحصائية، فإن عدد المحامين الممارسين وصل لما يقارب أربعة آلاف محامٍ.
أما بالنسبة لهيئة المحامين السعودية فإنه ورغم إنشائها منذ عامين فقط إلا أنه لا يمكن إنكار ما قامت به مؤخرًا من خطوات إيجابية من شأنها تحسين أداء المهنة، ولكن يمكننا رغم ذلك القول بأن المهنة لا زالت تعاني من ضعف التنظيم المؤسسي، وافتقارها إلى قواعد مهنية واضحة. فهي قطاع غير محدد المعالم وغير مساهم في الاقتصاد، وهنالك طموحات وغايات بالنسبة للمنتسبين إليها لم يشهدوا حتى الآن أي نية من هيئة المحامين في اتخاذ إجراءات لتحقيقها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر: تعديل أنظمة؛ كنظام المحاماة مثلًا، أو استحداث ميثاق شرف للمهنة، أو تدرج المحامين في الترافع وتصنيفهم حسب المستويات كما هو معمولٌ به في الدول الأخرى.
فالمحامي في السعودية لا يندرج تحت تصنيف محدد، أو تدرّج مهني يخضع لمعايير معينة لا من حيث التخصص ولا من حيث الخبرة. فبمجرد أن يتسلم المتدرب ترخيص مزاولة المهنة يصبح محاميَا، دون مقابلة شخصية أو اختبارات. ولا يُميز المحامين عن بعضهم أي شئٍ من حيث مسماهم المهني. فالمحامي الذي مضى على تخرجه من الجامعة ثلاث سنوات قضاها في التدريب وحصل إثر ذلك على ترخيصه، مثله مثل المحامي الذي أمضى أكثر من نصف عمره في المهنة، وقرأ عشرات الكتب وترافع في مئات القضايا.
وهذا الأمر قاصر عما هو عليه في غالبية المجتمعات. إذ أن هنالك تنظيم لوضع تدرجات للمحامين، قد يختلف من نظام لآخر، ولكن تتوافق جميعها في مبدأ ضرورة وجود تمايز وتراتب بين المحامين حسب خبراتهم وأدائهم. في مصر مثلًا والكويت كذلك هنالك عدة مستويات للمحامين، وعلى أساس ذلك تختلف المحاكم المسموح الترافع أمامها حسب تدرجاتهم. ويقيد المحامي في الجداول حسب خبرته وسنوات عمله والعائد المالي، وبالتالي تكون رسوم العضوية في النقابة متباينةً كذلك حسب هذه التدرجات.
كل ذلك يمكن تصور إمكانية حدوثه، أما الأمر المثير للاستياء فعلًا؛ والذي يعد من مظاهر الفوضى هو السماح حتى لغير المحامي كالدعوجي أو المعقب بالترافع والمثول حتى أمام أرفع درجات المحاكم، وذلك بسبب إتاحة النظام لإمكانية توكيل أي شخص للترافع أمام المحكمة شريطة ألا تتجاوز ثلاث قضايا في السنة الواحدة، حتى ولو لم يكن يحمل مؤهلًا أو خبرةً. والأدهى من ذلك هو أننا نجد هؤلاء المتطفلين على المهنة يتمتعون بميزات وحصانات لا تتوفر للمحامي، منها أن عملهم لا يخضع لرقابة وليسوا معرضين للعقوبات التي تطبق على المحامي المخالف للأنظمة كما هو منصوص عليه في نظام المحاماة.
افتقارنا لهذا التنظيم يتطلب إعادة نظر من قِبَل المعنيين بالأمر للبحث فيه واتخاذ الإجراءات التي تحد من وجود أي أضرار بسبب غياب هذه التنظيمات، والتي قد تؤثر على المهنة ونظرة المجتمع لها، وتحسين صورتها. خصوصًا أن افتقارنا لهذا التنظيم الذي يوضح أداء المحامين وخبراتهم يُضاف إلى غياب قوائم حول الأداء المهني للمكاتب والمحامين ولمعايير تقييم أو إحصائيات تبين للمنتسبين لهذه المهنة وللمجتمع مدى كفاءة المحامين حتى يكون الأمر واضحًا للمستهلك أو العميل عندما يرغب في اللجوء لطلب خدمة قانونية.
ولا أعرف فيما إذا كان الزملاء يرون أن مسألة تدرج المحامين والترتبية المهنية ضرورية ومنصفة ومحفزة للمنتسبين للمهنة؟ أم يعتبرونها من المطالب الثانوية التي لن يكون لها تأثيرٌ على مستوى أداء المهنة ومستوى ممارسيها؟
فهل سنشهد من هيئة المحامين الوليدة قريبًا خطواتٍ للتحرك في هذا الاتجاه من شأنها رفع مستوى المهنة سواء من حيث التنظيم أو من حيث الأداء مما يحقق نفعًا كبيرًا سواءً فيما يتعلق بمستوى المهنة، أو ازدهار سوق الخدمات القانونية، أو مستوى وعي المستهلك حينما يحتاج للخدمات القانونية. فيتحقق بذلك الارتقاء بمساهمتة هذه المهنة في الاقتصاد والمجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال