الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عربات الفود ترك بدأت منذ عامين أو ثلاثة فقط ، لكنها أصبحت ظاهرة غريبة جدا وانتشارها مثير ويطرح تساؤلات عن السبب وراء ذلك الإنتشار الكبير حتى تجاوزت أعدادها طاقة معظم المواقع التي تتواجد فيها خصوصا في مدينتي الرياض وجدة. فما الذي جعل الشباب يتجهون لتلك المهنة التي تحتاج مهارات عالية وجهد كبير ؟
أعتقد الأسباب وراء ظاهرة الفود ترك ترجع أولا لعدم وجود وظائف وحاجة الشباب للدخل ، وذلك هو السبب الأول الذي كان وراء وجود تلك العربات والسبب وراء إنتشارها . ثم لسهولة تنفيذ المشروع مقارنة بغيره من المشاريع الصغيرة من جانبي الأنظمة والتكاليف المادية، رغم أنه ليس سهلا في حقيقته . ولِماَ سمع الشباب عن عوائده المجزية من الإعلام الذي كان يزين ذلك العمل ويبالغ في وصف سهولته ودخله المجزي ، من بعض من عمل فيها في البدايات. وأخيرا لأنها ظاهرة مثيرة ومغرية لتجربتها خصوصا أن المجتمع تقبلها بالإعجاب والتشجيع .
العربات التي تعمل الأن في السوق كثيرة ومن المتوقع أن تدخل عربات أخرى ويخوض هذه التجربة أعداد كبيرة من الشباب ممن لايجدون عملا أو من الطلاب والموظفين الذين يجدون وقت فراغ كبير ويريدون أن يستثمروه . لكني أعتقد أن هذه الظاهرة سوف تتراجع كثيرا ولن يصمد في السوق إلا قلة قليلة ممن تتوافر فيهم شروط معينة .
أول الشروط وأهمها أن يكون صاحب العربة عاشقا لفن الطبخ متقنا له ، ومن لم يكن كذلك فأول ما سيخرجه من السوق زبائنه الذين سيتركونه تدريجيا حتى يصبح من الصعب عليه تغطية تكاليفه ، وقد خرج عدد من الشباب لذلك السبب ولم يستطيعوا إكمال عامهم الأول. إضافة إلى أن عدد العربات الكبير صعب المنافسة بينها وجعل البقاء في السوق مهمة شاقة لن يستطيعها إلا المتميز بعمله والمتطور دائما .
ثانيا أن يرى الشاب في ذلك المشروع عمله الأساسي ومصدر دخله الأول ، وهذا سيجعله يفكر دائما في التطوير والتحسين والإبداع . أما من يرى هذا العمل مجرد دخل إضافي وإشغال وقت الفراغ فإنه سيهرب مع أول فرصة للخروج من السوق .
ولا بد لمن دخل هذا المجال أن يتحلى بالصبر والجلد والجهد المستمر والمثابرة ، لأنه عمل شاق ومرهق ويحتاج صبرا كبيرا . فليست الخمس أو الست ساعات التي يقضيها الشاب داخل العربة هي كل الجهد الذي يبذله ، بل ذلك أقل جهد ، وهناك الكثير من العمل كل يوم تجهيزا لتلك الساعات ، وجهد الصيانة والتطوير وحل المشاكل الطارئة التي تحدث كثيرا ، والمشاكل النظامية وغيرها الكثير من المهام .
أخيرا استمرار الفريق المتجانس الذي يعمل داخل العربة فأقل عدد يمكن أن يشّغل عربة واحد هم ثلاثة أشخاص ، وليس من السهل تشغيل العربة بأقل من ذلك العدد . وحتى يستمر عمل العربة بشكل مجدي لابد من توافق فريق عملها وعملهم بروح الفريق والإستمرار معا وعدم السماح للمشاكل أن تهدم مشروعهم .
لكن يجب أن يتنبه الشباب العاملين في تلك العربات أن العمل لن يكون سهلا في الأشهر القادمة بسبب زيادة التكاليف المتوقع نتيجة رفع رسوم الطاقة وضريبة القيمة المضافة التي سيكون لها أثرين سلبيين على عملهم؛ الأول زيادة تكاليف المواد الأولية وتكاليفهم بشكل عام ، وفي الجانب الأخر توقع انخفاض الطلب على سلعتهم بسبب تأثر دخول المستهلكين . لذلك يجب عليهم خفض تكاليفهم إلى أدنى درجة ممكنة مع الحفاظ على الجودة ، وذلك للحفاظ على أسعار مقبولة لدى المستهلك ؛ فإلاسعار المرتفعة لن تمكنهم من الإستمرار في السوق .
من الأسباب الرئيسية لإنتشار عربات الطعام المنتقلة الدعم الحكومي الكبير متمثلا في أمانات المدن ، فكل الشباب الذي قابلتهم يعملون على تلك العربات يثنون على تعاون ودعم أمانة مدينة جدة . الكل بدون إستثناء يشكر الدعم غير المحدود من الأمانة وتجاوبها مع كل طلباتهم وتسهيلها لإجراءاتهم وتغاضيها عن بعض مخالفاتهم وتقديم الدورات والإرشادات المستمرة لهم .
أعتقد أن الحكومة بتوجهها هذا تهدف إلى إستيعاب عدد من الشباب العاطلين عن العمل وإدخالهم سوق العمل ، وهو توجه بلا شك جيد ومفيد . فهو أولا يساهم في التخفيف من أعداد العاطلين ، لكن لايجب أن نبالغ في توقعاتنا في هذا الشان فلا أظن أن تلك العربات سوف تؤثر كثير في نسبة البطالة . لكن الهدف الثاني بجعل الشباب يجرب العمل الحر بداية من تلك العربات مما قد يسهم في دخول بعضهم إلى مجالات أخرى ، وهذا يحتاج إلى دعم تنظيمي وتدريبي ومادي في بعض الحالات .
أهم طلبين سمعتهما من الشباب الذين يعملون على تلك العربات وخصوصا ممن لهم فترة طويلة في العمل وتمثل لهم تلك العربات مصدر الدخل الأساسي والوحيد . أولا عدم السماح لمطاعم الوجبات السريعة المشهورة بتملك عربات خاصة بهم لأن ذلك سيؤثر عليهم كثيرا ، وأتفق معهم في هذا الرأي لأسباب كثيرة حتى وإن عمل في تلك العربات شباب سعودي .
أما الطلب الثاني فهو السماح لهم بإدخال عرباتهم للمشاعر المقدسة خلال موسم الحج والإستفادة من أهم موسم سنوي في المملكة ، وتخصيص أماكن لهم في عرفات ومنى . ولا شك إن حدث ذلك ، فإن من سيحالفه الحظ ويدخل للمشاعر فإنه سوف يحصل على دخل كبير يساعده على الإستمرار وتغطية تكاليفه طوال العام . لذلك أتمنى ممن بيده ذلك القرار دعم أولئك الشباب وأختيار من يستحقون دخول المشاعر وعمل ما يلزم لتسهيل عملهم هناك . فهل نرى شباب (الفود ترك) في الحج ؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال