الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن تشخيص الجوع بأنه نتيجة لندرة الغذاء والأرض هو لوم للبيئة الطبيعة على مشكلات من صنع البشر. ففي العالم يوجد على الأقل 500 مليون من البشر، سيئي التغذية أو الجائعين.. هذا الجوع يوجد في مواجهة الوفرة.
إن بحثنا عن أسباب الجوع قد أوصلنا إلى مجموعة من الافتراضات الخاطئة والخرافات الاقتصادية ذات العلاقة بالجوع والسكان خاصة بالشؤون والمشكلات الاقتصادية عامة.
وهنا نستعرض بعضاً من الخرافات الاقتصادية، مع عرض الأسباب والمسببات والحلول والمعالجات المطروحة، من أجل تثقيف اقتصادي سليم.
خرافة “الغذاء في مواجهة البيئة”: إذ يقال يدمر الضغط لإطعام الجائعين، موارد إنتاج الغذاء. ولأجل إطعامهم، فإننا ندفع إنتاج الأغذية والمواد الخام إلى الحد الأقصى، فنسبب انجراف التربة، وندمر الغابات، ونسمم البيئة بالمبيدات. من الواضح إذن، أننا لا نستطيع أن نطعم الجائعين ونحمي البيئة في آن معاً.
إنّ ثمة هجوم متعدد الجبهات على البيئة يدمّر الموارد التي يعتمد عليها إنتاج الغذاء.
ولذا، نبّهنا علماء البيئة إلى هذه المخاطر، والتي منها: خطر التصحر، حيث تواجه أكثر من نصف أراضي العالم الزراعية، أي خمس مساحة اليابسة، وموطن 80 مليون إنسان، مشكلة التصحر. إضافة إلى خطر التسمم، حيث يتسمم ثلاثة أشخاص في الدقيقة الواحدة، ويموت عشرة آلاف سنوياً بسبب استعمال المبيدات، وهناك خطر تدمير الغابات.
أليس اعترافنا أن كارثة بيئية تقلّص من موارد إنتاج الغذاء وتهدّد صحتنا حديث خرافة؟
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد دفع فقر التربة بالمزارعين لاستغلال مزيد من الأراضي في سبيل زراعة محاصيل التصدير. وبلغ بهم الأمر حد زراعة أراضي الرعي، ومع الوقت كانت المساحات الخصبة تتناقص، ثم الانجراف فالتصحر، فالمعاناة القاسية.
إنّ الكثافة السكانية في بعض المناطق لا شك تزيد في حدة تدمير البيئة. لكن تحليلاً سطحياً يضع اللوم على زيادة عدد السكان الذين هم ضحايا، لا يؤدي بنا إلى شيء. فحين يكون تدمير البيئة رهيباً هل يخفف منه خفض عدد السكان إلى النصف مثلاً؟!
خرافة (الثورة الخضراء هي الحل ومفتاح إنهاء الجوع): إذ يقال تمثّل البذور الإعجازية التي صنعتها الثورة الخضراء مفتاح إنهاء الجوع في العالم لأنها ترفع مستوى الإنتـاج. وهناك ثورة أخرى على الطريق، هي ثورة التقنية الوراثية التي وصلت إلى حد تعبير مورثات النباتات. حيث طعام أكثر يعني جوعاً أقل. وفي آسيا بدأت الثورة الخضراء تعطي ثمارها.
منذ بداية الزراعة، والإنسان يحاول تحسين نوعية البذور، غير أن تعبير “الثورة الخضراء” أطلق في بداية الستينات على إنجاز علمي مهم. ففي أحد المختبرات شمال غرب المكسيك توصل العلمـاء إلى بذرة قمح ذات إنتاجـية عالية.
ومن الواضح أن مساهمة الثورة الخضراء في زيادة الإنتاج ليست خرافة. ولكن، هل تمكنت الثورة الخضراء من أن تقدم نفسها كإستراتيجية ناجحة لحل مشاكل الجوع؟!
إن الثورة الخضراء ليس بإمكانها، كما يدّعي مريدوها أن تؤمن الوقت اللازم لخفض التزايد السكاني لأنها لا تعالج مسألة فقدان الأمن الاقتصادي بل وربما ترفع من حدة هذه المشكلة. كما أنّ التركيز الضيق على الإنتاج وزيادته، خطوة تهزم نفسها، لأنها تدمر المورد الأساسي للزراعة.
إن النتيجة المأساوية لعدم وضوح الإستراتيجية موجهة نحو عجز الفقراء، هي مزيد من الطعام ومع ذلك مزيد من الجوع.
وبعد أن رأينا إنتاج الطعام يتقدم، والجوع يتوسع، بإمكاننا الآن أن نسأل: في ظل أي ظروف يحكـم على زيادة المحاصيل بالفشل في القضـاء على الجوع؟.
أولاً، حين تُشترى الأرض الزراعية وتباع كأي سلعة أخرى، وثانياً حين يشترى الطعام ويباع كأي سلعة أخرى، وحيث يوجد فوارق هائلة في الدخول والثروات، وثالثاً، حين يفتقد منتجو الطعام الأساسيون إلى القدرة على التحكم بإنتاجهم.
في ظل هذه القوانين الاقتصادية الأساسية لن تتمكن جبال من الأطعمة من القضاء على الجوع.
إنّ إنهاء الجوع لا يتطلب بالضرورة إلغاء السوق أو الملكية الخاصة.
إنه ببساطة يتطلب تحويلها من نظرية جامدة إلى وسائل اقتصادية توضع في خدمة المجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال