الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن أبرز ما يهم المستثمر عند الرغبة بالاستثمار في سوق مالية لدولة ما هو الإطار القانوني والتشريعات المنظمة للسوق ومدى الحماية التي يوفرها هذا الإطار القانوني للمستثمر سواء من تصرفات الشركات المدرجة وتجاوزتها أو من تصرفات المستثمرين الآخرين المنطوية على تلاعب أو تضليل في السوق مما قد يُلحق بالمستثمر أضرارً وخسائر مادية.
ولتحقيق هذا الهدف اتخذت هيئة السوق المالية السعودية ومجلس إداراتها خطوات مهمة ومدروسة لتطوير السوق المالية المحلية وتهيئتها للانضمام للمؤشرات العالمية وتوفير الحماية القانونية الكافية التي يطمح إليها المستثمر. ومن هذه الخطوات التي تشكر عليها الهيئة إصدار مجلس إدارتها قراره المؤرخ في 19/08/1438هـ الموافق 15/05/2017م بالموافقة على نشر مشروع تنظيم الدعوى الجماعية في منازعات الأوراق المالية لاستطلاع رأي العموم حيال التنظيم وهو عند اعتماده بصورة نهائية سيُضم إلى لائحة الفصل في منازعات الأوراق المالية.
وهذه الخطوة تعتبر نقلة نوعية مهمة في السوق المالية السعودية من حيث تقوية الحماية القانونية للمستثمر وبالأخص صغار المستثمرين من ناحية، ورفع مستوى الكفاءة والشفافية في السوق ومصداقية الشركات المدرجة من ناحية أخرى.
وتتلخص فكرة الدعوى الجماعية أو ((Class Action بتمكين عدد كبير من المستثمرين في السوق المالية -سواءً كانوا بائعين أو مشترين ممن لحقتهم أضرار وخسائر مادية نتيجة قيام الشركة المُدرَجة أو المصدرة للورقة المالية بفعل ينطوي على تضليل أو تلاعب وفقًا لأنظمة السوق المالية ولوائحها التنفيذية- من ضم مطالباتهم في دعوى واحدة ويمثلهم فيها مُدعي رئيسي أو محامي واحد أو أكثر يتقاضى أتعابه من المبلغ المحكوم به أو المصطلح عليه مع الشركة المُدعى عليها. كما يُشترط في الغالب لقبول الانضمام للدعوى الجماعية أن تكون الأسس النظامية والوقائع محل الدعوى متطابقة أو متشابهة وفقًا للسلطة التقديرية للمحكمة أو اللجنة التي تنظر القضية.
قد يتعرض كثير من المستثمرين – بالأخص صغار المستثمرين – في سوق الأوراق المالية كالأسهم مثلاً لخسائر مادية نتيجة تصرف قامت به الشركة المصدرة كنشر إعلان مضلل أو إخفاء معلومة واجب الإفصاح عنها بموجب الأنظمة واللوائح، ونظرًا لكون مقدار الخسارة يعتبر قليل نسبيًا فهذا يجعل الأمر غير مجدٍ لرفع دعوى لمطالبة الشركة أو الشخص المتسبب التي قد تكون تكاليفها تفوق المبلغ المدعى به –إن حُكم به-. كما أنه قد يصعب على المتضرر إيجاد محامٍ يقبل رفع دعوى بذلك المبلغ اليسير رغم كونه مؤثرًا على المستثمر الصغير.
ففي أغلب الأحوال يُعرض المستثمر عن المطالبة بحقه لهذا السبب بشكل رئيسي بالإضافة إلى أسباب أخرى كالجهل بالأنظمة واللوائح والأسس القانونية التي تجعل من الصعوبة بمكان قيامه بنفسه بالمطالبة ورفع الدعوى ضد الشركة المتسببة التي لديها من الموارد المادية والبشرية والقانونية ما يرجح كفتها لكسب القضية المرفوعة ضدها من المستثمر. فنظرية الدعوى الجماعية تهدف إلى إعادة توازن أطراف القضية وتحقيق العدالة من خلال إتاحة الفرصة لعدد كبير من المتضررين أضرارًا متفاوتة وربما يسيرة بالنظر إلى كل مطالبة على حدة ولكنها قطعًا ستكون مبلغًا ضخمًا بالنظر إلى مجموع المطالبات بتمثيلهم من خلال أحدهم أو محامٍ أو فريق محاماة.
ستقود ضخامة المبلغ بالإضافة إلى تحصيل الأتعاب من المبلغ المطالب به المحاميين إلى سباق محموم للظفر بتمثيل قضايا الدعاوى الجماعية. من ناحية أخرى، ستقلل الدعوى الجماعية كلفة التقاضي على المستثمر المتضرر إلى حدٍ كبير جدًا.
أما الجانب الآخر الإيجابي لتنظيم الدعوى الجماعية هو التأثير على سلوك الشركات المدرجة التي ستكون أكثر مصداقية وشفافية والتزامًا بالأنظمة واللوائح إذا علمت أن دعوى جماعية قد تكلفها ملايين الريالات. هذا سيجعل هاجس الدعوى الجماعية سيفًا مسلطًا على الشركات المدرجة ويدفعها لشفافية أكثر. كما أن من سيتولى المرافعة في مثل هذه القضايا -في الغالب- سيكون محامي أو محامون متخصصون مما يضيّق السبل على الشركة المتسببة للإفلات والتنصّل من مسؤوليتها نتيجة خطأها، وهذا بلاشك سيعيد التوازن لأطراف الدعوى ما بين الشركة والمدعيين المتضررين في حال تمثيلهم بمحامٍ كفء ومتخصص لتولي مثل هذا النوع من القضايا.
سأتطرق في مقال لاحق إلى بعض الملاحظات على مشروع التنظيم المقترح (من المفترض تقديم هذا الملاحظات للهيئة اثناء فترة استقبال ملاحظات العموم لكني للأسف لم اطّلع على التنظيم إلا بعد فوات الميعاد المحدد لاستقبال الملاحظات) وإلى بعض المبادئالتي ستقوم بتأسيسها لجنة الفصل في منازعات الأوراق الماليةحين بدء قيدها ونظرها للدعاوى الجماعية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال