الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتبر برنامج طرح الصكوك المالية بالريال السعودي أحد أهم آليات إدارة هيكل المالية السعودية، فهو من ناحية يساهم بشكل أساسي في توازن الميزانية وتغطية العجز، ومن ناحية أخرى يضمن ضخ للسيولة التي تعد العصب الرئيسي لإنعاش النشاط الاقتصادي وتمويل المشروعات الحكومية الضخمة دون تحميل الميزانية العامة تكاليف دين مرتفعة مقارنة بأدوات الدين الأخرى كالسندات، فضلاً عن كونه أداة جاذبة للاستثمارات واستقطاب لرؤوس الأموال وتنويع قاعدة الموارد التمويلية وتنمية السوق المالية وزيادة الفرص أمام مستثمريها بما يتوافق مع ضوابط الشريعة الاسلامية.
ولكن هناك عدة تساؤلات يمكننا استعراضها من أجل إعطاء نظرة أكثر شمولية، فقد يتساءل الكثير عن سبب استعانة المملكة بعمليات الاقتراض من خلال السندات أو الصكوك لتغطية عجز ميزانيتها والذي يؤثر سلباً على نسبة الديون العامة إلى إجمالي الناتج المحلي، وعن مدى فاعلية إصدار الصكوك المالية في تحسين الاقتصاد.
يستدعي الإجابة على كل تلك التساؤلات التأكيد أولاً بأن المملكة تتمتع بملاءة مالية عالية جداً يظهر ذلك جلياً من قيمة الاحتياطيات البالغ نحو 1870 مليار ريال، وحجم الودائع النقدية لدى البنوك التجارية والتي بلغت حوالي 1635 مليار ريال، فضلاً عن موجودات ساما من الاحتياطات النقدية الأجنبية البالغة نحو 1868 مليار ريال حسب تقرير ساما للربع الثاني من هذا العام، ومما يؤكد على صلابة الاقتصاد السعودي وقوة قطاعه المالي تقرير وكالة ستاندرد اند بورز التي صنفت الائتمان السعودي عند (A-/A-2) بنظرة مستقبلية مستقرة مما يعكس قدرة المملكة على الوفاء بمديونياتها أمام المستثمرين.
ثانياً إن ارتفاع الديون لا يعني مطلقاً ضعف في الاقتصاد واستنزاف لماليته خصوصاً إذا ما قابل ذلك معدلات إنتاج ضخمة وايرادات مرتفعة، والدليل على ذلك الاقتصاد الأمريكي والياباني والذي تجاوز فيه حجم الدين إلى الناتج المحلي الاجمالي حاجز الـ 100% ومازالت تصنف كأقوى أول وثالث اقتصاد في العالم على التوالي.
كذلك من المهم جداً معرفة أن المملكة منفتحة على عدة خيارات في تغطية العجز وتعزيز السيولة سواء من عمليات الاقتراض وإصدار أدوات الدين أو من السحب من الاحتياطي وذلك حسب المتغيرات الاقتصادية المشاهدة في فترة زمنية معينة، فعند تراجع أسعار النفط مثلاً يكون خيار إصدار أدوات الدين أحد الخيارات الاقتصادية المثلى بالإضافة إلى عوامل اخرى مهمة كالحاجة للإنفاق وحجم الدخل وأسعار الفائدة وغيرها.
وبالتالي لمعرفة مدى فاعلية الصكوك المالية المُصدّرة في تحسين الاقتصاد، من الحكمة انتظار النتائج المُتحصلة والمتوقع ظهورها في المستقبل القريب، فضلاً عن مراقبة كيفية إدارة السيولة والتي غالباً ما توجه إما لتغطية العجز أو تمويل المشاريع، وهذا السجال بين التحول من الإنفاق التشغيلي على قطاعات الدولة إلى الإنفاق الرأسمالي على مشاريع التنمية والذي يٌعد رافد مهم لدخل الدولة حالياً ومستقبلاً وضمان تدفقات نقدية في أوقات ضعف الإيرادات، وهذا التحول هو أحد أهم عناصر إصلاح الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
فمن وجهة نظري أعتقد أن تمويل المشاريع التنموية والتوازن بين الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة، بحيث يستمر الإنفاق الحكومي على المشاريع ذات القيمة المضافة والعائد التنموي المرتفع وبالتالي إنعاش القطاع الخاص، والذي من شأنه أن يخلق قاعدة اقتصادية متينة قادرة على التصدي للأزمات ومعالجة الكثير من مشاكل الاقتصاد الكلي، إلى جانب زيادة التركيز على تنمية مدخرات الدولة بما يتوافق مع معطيات المرحلة الحالية والتي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وعدم التركيز فقط على النفط، ولعل إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة مؤشر إيجابي في تفعيل ذلك الهدف.
إن طرح الصكوك المالية بالريال السعودي له اعتبارات إيجابية عديدة، فبغض النظر عن كونه أداة إسلامية وأكثر طريقة آمنه مقارنة بأدوات الدين الاخرى، بل هو أيضاً يساهم في تحقيق أحد أهم ركائز الرؤية بأن تكون المملكة قوة استثمارية رائدة في المنطقة، وهذا ما بدأ يُلاحظ فعلاً فحجم الإقبال الكبير على الصكوك المطروحة في الاصدار الأول والثاني يؤكد ثقة المستمرين من الداخل والخارج في اقتصاد المملكة وأنه في مساره الصحيح نحو تحقيق ذلك الهدف وجعله ذا مركز وثقل مالي كبير عالمياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال