الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هذه المقاله مختصر لقراءة تحليلة عن الخطط الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات. فقد أرخ الدكتور إبراهيم المنيف ( رحمه الله) تطورات الحضارة الانسانية إدارياً واقتصادياً في كتابه إدارة التغيير فذكر “بداية بالعصر الأول البدائي حيث كان نشاطه الصيد ثم انتقلت الى الزراعة وكانت الاداة الوحيدة لهاتين المرحلتين عضلات الانسان ثم انتقلت إلى مرحلة العصر التجاري وأدواته تنحصر في المعرفة بالأسواق البسيطة وطرق المواصلات وانواع البضائع المطلوبة.
وتخللت هذه المرحلة نهج الاستعمار للدول عن طريق هذه التجارة ؛ ثم انتقلت الحضارة الانسانية إلى عصر الصناعة وذلك في نهاية القرن السادس عشر حيث سمي بعصر الطاقة والمكينة والذي استمر حتى منتصف القرن العشرين تقريباً ؛ ثم جاء العصر الحالي وهو عصر المعلوماتية وتقنية الحاسوب أو ما يسمى شمولياً بعصر المعرفة.
ولو لاحظنا ان جميع العصور ما قبل العصر الحالي اعتمدت بشكل كبير على الطاقة والمكينة بالإضافة إلى عضلات الانسان أما العصر الحالي فهو عصر المعرفة الذي يعتمد على طاقة الفكر حيث لا مجال للعضلات فيه لأنه عصر المعرفة الظاهرة والضمنية او عصر اقتصاديات المعرفة او عصر رأس المال الفكري”.
وقد عرف البنك الدولي الاقتصاد القائم على المعرفة بأنه الاقتصاد الذي يعتمد على اكتساب المعرفة وتوليدها ونشرها واستثمارها بفعالية لتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة ومتسارعة.
وأهم أدواته الابتكار والبحث العلمي وإدارتها بمنهج يهدف إلى الحصول على الابتكارات والامتيازات وبراءات الاختراع.
والسؤال هنا ماهي الخطوات العملية التي قامت بها الدولة حيال هذا التغيير الهائل والذي أصبح عنوان العالم المتطور أي أننا الان لا نعيش في فترة المفاجأةأو الصدفة أو حتى المقاومة نحن الان نتعايش مع هذه المتغيرات التي طرأت على العالم بأجمعه منذ أكثر من عقدين من الزمان.
تطلب الامر البحث في أورقة خطط الدولة والقطاعات الحكومية ذات الصلة فتم العثور على مشروع الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات حيث كان شعارها – الرؤية لبناء مجتمع معرفي – فقامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بإعدادها ونشرها في العام 1426هـ وتكونت الخطة من عنصرين هما :
– المنظور بعيد المدى للاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة.
– الخطة الخمسية الأولى للاتصالات وتقنية المعلومات.
حيث هدفت هذه الخطة للوصول إلى التحول إلى مجتمع معلوماتي ، واقتصاد رقمي ، لزيادة الانتاجية ، وتوفير خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات لكافة شرائح المجتمع في جميع أنحاء البلاد وبناء صناعة قوية في هذا القطاع لتصبح أحد المصادر الرئيسية للدخل.
وقد تم تحديد سبعة أهداف عامة تخدم هذه الرؤية بصفة عامة حيث ركزت في اهدافها على تنظيم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بشكل عادل ومحفز وجذب الاستثمارات ودعم البنية التحتية ودعم صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات وتشجيع الابداع والتطوير لتنويع مصادر الدخل ودعم النمو الاقتصاد والعمل على استدامته وتوليد فرص عمل عالية الدخل بالإضافة إلى رفع كفاءة التعليم والتدريب كما هدفت إلى تضييق الفجوة الرقمية من خلال تمكين شرائح المجتمع كافة من الوصول إلى خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات بيسر وتكاليف معقولة.
كانت هذه الاهداف الرئيسية لتحقيق الخطة الخمسية ومن ثم الوصول إلى الرؤية المنشودة وقد ذكر في وثيقة الخطة أنه ضماناً لنجاح تنفيذ الخطة فإنه ينبغي توفير متطلبات رئيسية وهي الدعم المستمر من القيادات العليا في جميع المستويات وإعادة هيكلة المنشآت الحكومية بما يتناسب مع تحقيق الرؤية (التحول إلى مجتمع المعرفة) توفير إجراءات وانظمة حكومية مناسبة لطبيعة مجتمع المعلومات بالإضافة الى توفير بنية مناسبة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية كما تتطلب عملية التحويل إلى مجتمع المعلومات تطوير طرق التعليم والتعلم والمناهج الدراسية.
حيث توقعت الوزارة تحقيق انجازات جوهرية في بينة المجتمع بنهاية تنفيذ هذه الخطة من أهمها :
إيجاد مصدر دخل بديل لخزينة الدولة؛ زيادة الناتج المحلي الاجمالي ؛ وصول حجم منتجات الاتصالات وتقنية المعلومات محلياً إلى 5 مليارات ريال ؛ زيادة الاستثمارات المحلية والاجنبية في الاتصالات وتقنية المعلومات إلى أكثر من 3 مليار ؛ وصول نسبة العاملين عن بعد إلى 1% من إجمالي العاملين على مستوى القاطعين العام والخاص ؛ إنشاء بوابة إلكترونية وتقديم العديد من الخدمات بها ؛ إلى غير ذلك من الانجازات التي توقعت الوزارة من خلال هذه الخطة الوصول إليها.
والسؤال البسيط / هل تحققت الرؤية الوطنية للتحول إلى المجتمع المعرفي ( الاقتصاد القائم على المعرفة )؟
حتى تكون إجابة هذا التساؤل البسيط في طرحه والصعب في ايجاد جواب له فإنه يجب أن نحلل التقارير الصادرة من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والخاصة بمتابعة الخطة ومن جانب آخر نأتي على الواقع الحالي فنقارن بين ما توقعت الخطة ان تصل إليه وبين ماهو موجود في الواقع ثم نحدد هل حققنا ما كنا نريد الوصول إليه أم كان هناك سوء تنفيذ وتحديات تفوق عمل الوزارة؟
من خلال البحث في التقارير الصادرة من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وكذلك من معطيات الواقع نلحظ أن الوزارة أثناء تنفيذ خطتها الوطنية قد حققت جزء من تلك الاهداف من حيث توفر البنى التحتية وردم الفجوة وإعداد الكوادر اللازمة لتحقيق التوظيف الأمثل في تطوير صناعات الاتصالات وتقنية المعلومات ولعل هذه الأهداف قد استغرقت وقتا طولاً وموارد مالية كبيرة لتحقيقها.
إلا أنه من خلال قراءة الخطة بشكل كامل نجد أن جزء كبير من أهداف هذه الخطة الوطنية لم يتحقق وعلى سبيل المثال لا الحصر توفير البيئة المشجعة لبناء صناعة اتصالات وتقنية معلومات محلية من خلا إنشاء منطقة حره للصناعات التقنية ، وتشجيع الاستثمار في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ، وإنشاء حدائق وحاضنات لمشاريع الاتصالات وتقنية المعلومات ( حيث كان من المفترض ان تكون جزء من هذه الحاضنات داخل الجامعات السعودية وللأسف لم يتم تطبيق هذا الامر في غالبية الجامعات).
ايضا هدف آخر مهم وغير متحقق يخص الجامعات السعودية من حيث توفر دعم توطين الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال إنشاء مراكز نقل التقنية من الجامعات الى المجتمع ، ودعم صناعة البرمجيات المفتوحة المصدر ، ومعاملة انشطة البحث والابداع والتطوير في القطاعات الحكومية بما يخص مجال الاتصالات وتقنية المعلومات كمشاريع يرصد لها ميزانيات مستقلة.
عزيزي القارئ
تم استعرض جزء من الاهداف الغير متحققة في الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات للتحول إلى مجتمع المعرفي أو ما يسمى الاقتصاد القائم على المعرفة.
الكل يعلم ان كل خطة وطنية يرصد لها ميزانية لإعدادها وأخرى للعمل على تحقيقها إلا أن المنهج المتبع لدينا حتى تاريخه لا يرصد بشفافية متابعة تلك الخطط والمحاسبة على التقصير إن وجد ؛ ناهيك ان معظم تلك الخطط اعتمدت في مؤشراتها على مؤشرات وصفية وغير كمية مما يعطي المجال إلى غياب الدقة في رصد المتحقق من المستهدف.
ننتقل الان إلى الصورة المستقبلية لهذا القطاع وما تضمنته رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 سنجد ان الرؤية ركزت على الاستثمار الرقمي وتعزيزه لتتبوأ المملكة مكانه متقدمة عالميا في هذا القطاع وقد ترجم ذلك في برنامج التحول الوطني 2020 إلى عدد عشرة أهداف استراتيجية مشابه تماما لما ذكر في الخطة الوطنية لعام 1426هـ والفارق ان مؤشرات الاداء في برنامج التحول الوطني كمية وبالتالي يمكن قياسه ومعرفة المتحقق من المستهدف لذلك فالمهم هنا هو ان نحقق تلك الاهداف لنطلق بهذا المجتمع إلى الوعي المعلوماتي وما يتحمله من قيم الحوكمة.
لعل الاهم هو التالي :
إن التأخير في تنفيذ وتحقيق تلك الأهداف والمشاريع الواردة في الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات يعطل التنمية في هذا القطاع مما ينتج آثار سلبية كبيره أهمها ضياع فرصة إنشاء صناعة تقنية محلية تصدر للخارج وتعتبر إيراد جديد للدولة كذلك حرمان هذا القطاع من التطوير من خلال ضياع انعدام الفرص الاستثمارية للشركات الاجنبية والتي من شأنها توليد الوظائف ونقل المجال الاستثماري داخل المملكة إلى مرحلة جديدة ومتطورة ومواكبة للعالم المتقدم.
إن التأخير في نمو هذا القطاع سيؤثر على الجيل الحالي والاجيال اللاحقة من عدم مواكبة القطاع المحلي مع الخارجي الاكثر تطورا وازدهاراً ؛ لذلك هناك مشاريع سيادية التأخير أو التعطيل فيها يسبب كارثة على الكل ويحرم جميع شرائح المجتمع من الاستفادة منه (وادي مكة التقني انموذجاً).
فكيف لنا أن نكون مجتمع معرفي بدون اساسياته والمشروع الضخم لا يمكن ان تنتقل من مرحلة وتتجاوز الاخرى هي مراحل منتظمة واللاحق لا يتكون إلا بإنجاز السابق.
لذلك حتى ينجح هذا الامر يجب ان نحقق قيم هذا المشروع بإرساء مبدأالشفافية والمحاسبة حتى نصل الى مجتمع معرفي واعي يتكون من المراحل التعلمية الاولية ليصل إلى فرد واعي في المرحلة الجامعية قادر على الاستثمار والابتكار.
تغريدة :
من المسؤول عن تأخرنا؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال