الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتبعثر حول العالم آلاف المزارات الدينية التي يبذل سدنتها يوميا كلَّ ما بوسعهم من أقصوصات وحكايات ليستدرّوا من جيوب الناس غلة ما جمعوه بعد سنة عمل مجهدة في فلاحة أو كدادة أو غيرها، غير أن أحداً من القائمين على خدمة بيت الله العتيق لا يبذل شيئاً من تلك الحكايات في الوقت الذي تهوي فيه أفئدة الناس زرافات ووحداناً إلى أطهر البقاع وأشرفها.
وليس سراً في تلك المفارقة أنها دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام على أعتاب موقف نبوي خالد يوم ترك زوجته وابنه في واد صخري لا تعيش فيه سوى الهوام والسباع ولم يدخر لهم سوى دعوة غيّر الله بها مجرى التاريخ ونواميس الطبيعة القاحلة: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم..}.
وها نحن اليوم بفضل الله –وككل عام- على أبواب نموذج فريد وتظاهرة عالمية وإنسانية تتوحد فيها كل اللغات واللهجات والأعراق والشعوب والقبائل في صعيد واحد لرب واحد بما لم يشهد التاريخ على مثله بهذا الزخم الهائل من التنوع العرقي والثقافي سوى في أحقاب قليلة متقطعة من التاريخ.
هكذا تهوي أفئدة ملايين الناس من كل حدب وصوب ومن كل جنس ولون وبكل طريق وطريقة تؤم هذا البلد العظيم في هذا الشهر من كل عام ليس من أجل شعارات سياسية وليس لتلبية دعوات مذهبية ولا من أجل الحصول على المال ولا لشيء آخر سوى أن هذا البلد يحتضن الكعبة المشرفة وموطن المشاعر المطهرة ومناط الشعائر المقدسة ومهبط الوحي ومنطلق الرسالة، رغم ما نال المملكة من التثليب والتشغيب والتندر والانتقاص والافتراء وترسانة الأكاذيب التي تصنعها أفواه الحاقدين؛{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
أنْ تهوي إليك أفئدة الناس فتحتضنها دون تمييز وتتقاطر جموع البشر عليك فتسخّر لها كافة الإمكانات من غير حساب وأن تفد إليك الأمم تلو الأمم فتكرم وفادتها من غير امتحان لتحديد المذهب أو اشتراطات جنسية وعرقية، وإنما تستقبلها بالبشر والترحاب وتتسابق لخدمتها بالحب والمودة وينبوع العطاء الذي لا يجف؛ فحق لك الفخر بما أنعم الله به عليك يوم أن جعل خدمة المسلمين قلادة شرف لا يوازيها أيشرف.
إن من المقترح لوزارة التجارة والاستثمار تحديداً تفعيل الدور الاستثماري في دعوة شركات الدول الإسلامية والعربية للمشاركة في تقديم الخدمات–خاصة الغذائية – عبر تأسيس شركات سعودية تسوق هذه المنتجات بعد خضوعها بطبيعة الحال للمقاييس اللازمة قبل الموسم بوقت كافٍ. يأتي ذلك لخوض تجربة ثنائية (تجربة الاستثمار في المملكة، وتجربة تقييم مستوى الخدمة والأداء تحت مجهر الحشود المليونية والخدمة الساخنة على مدار الساعة)، ولإتاحة الفرصة لحجاج تلك الدول بتناول الأغذية حسب الطريقة التي تجيدها شعوبها، ولتحقيق التنوع الغذائي والتدفق السلعي ولتعزيز ارتفاع مؤشر التنافسية والحرية التجارية بأسلوب الحفز الموسمي للمملكة.
كما لا أعتقد أن مسؤولية الوزارة في حماية المستهلك خافية على أحد في منطقة المشاعر من خلال الرقابة والتدقيق إلا أن المأمول هذا العام والأعوام القادمة أن يترافق مع هذه الجهود خصوصاً في مجال حماية المستهلك تحليلٌ مسحي لدراسة الظواهر المتكررة للممارسات التي قد تنشأ عنها المسؤولية النظامية على الشركات والمؤسسات المشاركة في خدمة الحجاج ومدى جدوى إعادة النظر في النصوص والأنظمة.
كما عليهم اعادة النظر فيما يمكن الاستثناء منه في منطقة المشاعر خلال أيام الحج؛ إذإن قواعد القانون بصفة عامة تصاغ عادة للحياة العامة لا للحالات الاستثنائية، كنظام البيانات التجارية الذي فصّل نوع البيانات المشترط إدراجها على عبوة المنتج في ظل رغبة المصانع بطرح عبوات ومغلفات غير مشتملة على البيانات الكاملة كونها مؤقتة وخاضعة لإشراف الجهات الرقابية وخاصة بالتوزيع في منطقة المشاعر مما لا يشكل تهديداً لصحة الحجاج أو خداعاً عن حقيقة المحتوى، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
وبكل حال: فإن مما يحسن قوله -والتذكير به في هذه المناسبة السنوية- سيما لمؤسساتنا التي تقلّدت شرف الوفادة لضيوف بيت الله ومروراً بكل مسؤول وجندي وطبيب وعالم ومعلم ومتطوع ومرشد وساعٍ في كل خدمة: أن هذه الأيام إحدى أسرار بركة ما حبا الله مملكتنا به على مدار العالم من النعم والرخاء، أياماً شاهدة على معقل الخير ومعقد العز ووحدة المسلمين في زمن الشتات، ورايةِ الشرف وسجلّ الأيادي البيضاء التي لا تنتظر جزاء ولا شكوراً إلا من الله، فما عند الله خيرٌ وأبقى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال