الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أطراف القضية : ولاية مينيسوتا ضد اوتيس لي ولكر State of Minnesota vs. Otis Lee Walker
التاريخ : 8-10 أبريل 2014م
المكان : محكمة مقاطعة هينيبن (Hennepin County)، قاعة المحاكمة رقم (1653)
القاضي : روبرت سمول ((Honorable Small, Robert M.
في صباح يومٍ شاتٍ مثلج من أيام مينيسوتا البيضاء ، حيث تتدنى درجات الحرارة إلى ما دون 37 درجة تحت الصفر ، قال لي القاضي ميل ديكستين – والذي كنت أحضر عنده مستمعاً ومستمتعاً ومناقشاً لمدة فصل دراسي ، وكانت أشبه ما تكون بالملازمة القضائية – : اليوم هناك قضية ساخنة ستمدك بشيء من الحيوية والدفء في هذه الأيام الباردة. قالها مبتسماً ثم استرسل : القضية هي قضية قتل من الدرجة الثانية ستكون تجربة فريدة لك لأنها أمام هيئة محلفين ، لكن القضية ليست عندي وإنما ستكون عند القاضي Small وستبدأ بعد ساعة من الآن.
البعض قد يستغرب الاسم كما فعلت ، لذلك ابتسمت وسألته عن الاسم Small فقال أليس عندكم كذلك ينسب الواحد إلى مهنته أو وصفه؟ نبّهني ، فتراجعت عن الابتسامة وقلت بلى بل عندنا بنفس اسم هذا القاضي فعندنا أسر كريمة كالطويل والقصير والصغير وغيرها.
كم ستمتد جلسات المحاكمة ؟ سألتُ .
القاضي ديكستين : ستعقد يومياً من الصباح و حتى نهاية دوام المحكمة اليومي و حتى تنتهي المرافعة وتصل هيئة المحلفين لقرارها النهائي بالإدانة أو البراءة ، تارةً تنتهي في ساعات وتارات في أيام ، أما أطول مرافعة أذكرها فقد امتدت عدة أسابيع ، كان يحضر فيها القاضي والخصوم وهيئة المحلفين يومياً من الصباح حتى الساعة الرابعة بعد الظهر.
وصلت القاعة رقم 1653 وإذ بالمحامين يتناقشون في اعتماد أسماء قائمة المحلفين ، وكان المتهم ولكر شاب أمريكي من أصول أفريقية و كانت محاميته يارني سومه (Yarney, Somah) من بني جنسه كذلك.
لحظات ودخل القاضي روبرت سمول – وعادة قبل دخول القاضي يطلب رجل أمن القاعة من الحضور القيام احتراماً للقضاء وللعدالة كما يُعتقد ؛ لأنه يُطلب من الحضور القيام كذلك عند دخول أعضاء هيئة المحلفين وعند خروجهم من القاعة – فطلب القاضي من المحامين القائمة المعتمدة بأسماء المحلَّفين والمتفق عليها بين الطرفين.
دخل المحلفين وكان عددهم فيما أذكر يزيد عن عشرين ، عندها قرأ القاضي أسماء اثني عشر 12 محلّفاً وشكر بقية المحلفين الذين لم يتم اختيارهم في هذه القضية ، ثم طلب من هيئة المحلفين المختارة الجلوس في صفين في كل صف ستة أعضاء ، كان المحلفون تركيبة متنافرة و متناقضة فيما يظهر في كل شيء ابتداء من الجنس فالعمر فالمظهر واللباس و الأصول العرقية والطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي ، فكان اثنان منهم من أصول أفريقية رجل وامرأة وثلاثة من أصول لاتينية وواحد آسيوي والبقية من البِيض ، أصغرهم سناً في بداية العشرينات و أكبرهم لا أشك أنه ناهز السبعين – والنظام يسمح لمن جاوز السبعين بالمشاركة كمحلف لكن لا يلزمه -.
وكان مكان جلوسهم على كراسي مدرجة تحت الحائط الأيمن للقاعة و مجلس القاضي ومعاونيه في واجهة القاعة على مكاتب متدرجة في الارتفاع وأعلاها مكتب القاضي ، مما يعطي مزيد هيبة واحترام للقاضي وحتى لمعاونيه الذين ترتفع مجالسهم عن هيئة المحلفين وعن مجلس الخصوم والمحامين وعن الحضور الذين يجلسون في بداية القاعة خلف الخصوم ويفصلهم عن الجميع حاجز بارتفاع متر تقريباً لا يمكن لأحد من الحضور تجاوزه ، ويسمى البار(Bar) ومنه أُخذ مسمى اختبار زمالة المحامين (Bar Exam) لأنه لا يمكن تجاوز هذا الحاجز بالمثول أمام المحكمة كممثل قانوني إلا باجتياز الاختبار.
يتحدث القاضي عبر مكبر الصوت ، وكان لكل طرف في القضية مقعداً وطاولة ممتدة تتسع لثلاثة أشخاص عليها لاقط صوتي (ميكرفون) وأمام الطاولة منصة للحديث حال وقوف المحامي للمرافعة وطرح دعواه أو دفاعه بحسب موقف موكله.
توجه القاضي الصغير Small إلى هيئة المحلفين وقرأ عليهم بنفسه تعليمات المحكمة لهيئة المحلفين – وحصلت على نسختي من كاتب الضبط في مكتب القاضي ديكستين – واستمر القاضي في قراءتها قريباً من عشر دقائق ، وبعد أن فرغ من القراءة أكًّد كثيراً على مبدأ أن الأصل البراءة لذلك عليهم أن يعتقدوا أن المتهم الماثل أمامهم بريء ، إلا أن تثبت التهمة بالأدلة من خلال مجريات المرافعة وبعد أن يصل جميع المحلفين إلى قرار مجمع عليه بإدانة المتهم بسبب رجحان أدلة اتهامه بشرط ألا يصاحب هذا الرجحان شكاً معقولاً ومنطقياً (beyond a reasonable doubt) بإمكانية براءة المتهم فإن كانت هذه الدرجة من الشك موجودة فلا يعتبر هذا رجحان لأدلة التهمة وعليه فلا يحق – حسب التعليمات- لهيئة المحلفين إدانة المتهم.
كان من ضمن التعليمات شرح خارطة طريق المرافعة ، حيث البداية عند هيئة الادعاء ممثلاً لولاية مينيسوتا فيقدم كلمته الافتتاحية ثم ممثل المتهم يلقي كلمته ودفاعه الافتتاحي ، بعد ذلك يُحضر الادعاء شهود الاتهام ويطرح أسئلته المؤيدة للتهمة ثم يفتح المجال لهيئة الدفاع عن المتهم لمناقشة الشهود ، ثم تتاح الفرصة للمتهم ليقدم شهود براءته ويقوم محاميه باستجواب الشهود لإثبات البراءة ، فتكون الكرّة عند هيئة الادعاء لمناقشة شهود المتهم وفحص شهادتهم .
ومما أكد عليه القاضي أنه يجب على هيئة المحلفين ألا يعتبروا ما يقوله القاضي أو المحامون أدلة أو إثباتات ، كما أن القاضي سيقوم بشرح القانون المطبق في بعض الجزئيات التي يتطلب الأمر فيها أن تكون هيئة المحلفين على علم بالقانون النافذ. تختم المرافعة بأن يقدم كل من طرفي القضية كلمته الأخيرة لهيئة المحلّفين ، فتأتي هذه الكلمة متخمة بكل ما لديه من أدلة وحجج ودفوع وطعون سعياً لإقناع المحلفين بموقف موكله من ادعاء جناية المتهم أو ادعاء البراءة. و أخيراً تنعقد جلسة المداولة النهائية والمغلقة لهيئة المحلفين و لا بد أن تصل الهيئة لقرارها بالإجماع.
*بداية المرافعة وعرض الأدلة واستجواب الشهود ، في الحلقة (2/3)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال