الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
امتدادًا للمقال السابق حول مفهوم الدعوى الجماعية ودورها في حماية المستثمرين في السوق المالية (بالامكان العودة له عبر الرابط أضغط هنا، أتطرق في هذا المقال إلى بعض النقاط المهمة التي آمل أن تأخذها هيئة السوق المالية أو لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بالاعتبار كل بحسب اختصاصه، وهذه الأمور تتعلق بآلية اختيار المدعي الرئيسي وتعيين المحامي وتحديد أتعاب المحاماة ومبدأ إثبات المسؤولية في قضايا الدعاوى الجماعية في السوق المالية.
باستعراض مشروع التنظيم الصادر عن مجلس إدارة الهيئة ظهر لي أن المادة التاسعة من التنظيم تطرقت لآلية اختيار المدعي الرئيسي الذي سيقوم بتمثيل مجموعة المدعيين في الدعوى الجماعية، كما عالجت المادة بوضوح حالات تستدعي – إما وجوبًا أو جوازًا – تدخل لجنة الفصل للقيام باستبدال المدعي الرئيسي المخُتار من قبل مجموعة المدعيين مثل حالة اعتراض بعض مجموعة المدعيين علىالمدعي الرئيسي المعين أو حالة عدم قيام المدعي الرئيسي بالإجراءات المناسبة أو عدم قدرته على التقاضي.
إلا إن المادة والتنظيم بشكل عام لم يتطرق لمعالجة حالة عدم اتفاق مجموعة المدعيين على تعيين المدعي الرئيسي ابتداءً. وهذا التعيين يُفترض أن يكون له آلية محددة للاختيار من قبل مجموعة المدعيين كالتصويت مثلًا أو يجب أن تضطلع به اللجنة في حال عدم تمكن مجموعة المدعيين من اختيار مدع رئيسي وذلك لحفظ حقوق المدعيين وإكمال السير في الدعوى في حال عدم التوصل لاتفاق. ومن المعلوم أن الاختلاف وعدم الاتفاق وارد جدًا في مثل هذه الحالات التي يكون فيها المدعون كثر بلا روابط مشتركة سابقة في معظم الأحوال.
إضافة لما سبق وإلى جانب تنظيم آلية اختيار المدعي الرئيسي الذي سيمثل المجموعة ومصالحهم في الدعوى ومن ضمنها اختيار المحامي، أوجب التنظيم على المدعي الرئيسي مراعاة مصالح المجموعة بعدالة وكفاءة إلا أنه لم يُحدد معايير أو ضوابط معينة يلتزم بها المدعي الرئيسي عند تعيينه للمحامي – إن استدعى الأمر ذلك – وهو من سيقوم بتمثيل المجموعة ومصالحها وكان الأجدر بالتنظيم الأخذ بأحد التوجهين وهما:
1- إما وضع ضوابط لضمان عدم إساءة استخدام المدعي الرئيسي لهذا الحق على حساب بقية مجموعة المدعيين كضمان عدم وجود تعارض مصالح أوعلاقة سابقة أو قرابة مع المحامي لضمان اختيار الأكفأ والأجدر لتمثيل المجموعة واستبعاد المصالح والنزعات الشخصية. وفي هذه الحالة تفترض اللجنة التزام المدعي الرئيسي بهذه الضوابط إلا أنه يحق للمدعيين أو عدد منهم الاعتراض على التعيين لمخالفته الضوابط، وفي هذه الحالة تتدخل اللجنة لتقرير ذلك.
2-أن يكون تعيين المحامي المختار من قبل المدعي الرئيسي خاضع لمراجعة وموافقة اللجنة ابتداءً كما أخضع التنظيم أتعاب التقاضي للسلطة التقديرية للجنة، وللجنة عند ممارستها هذه السلطة رفض تعيين المحامي أو طلب استبداله في حال تبيّن لها وجود تعارض مصالح أو أي سبب قد يمنع مراعاة مصالح المجموعة بعدالة وكفاءة وفقًا لما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة التاسعة.
بقي الإشارة إلى بعض المبادئ والنظريات التي ستنبري اللجنة لتأسيسها بناء على القضايا التي تُعرض عليها ومن هذه الأمور تقدير أتعاب التقاضي ومراجعتها. وقد أحسن التنظيم عندما أعطى اللجنة هذه السلطة التقديرية حيث أنها بلا شك تختلف من قضية إلى أخرى نظرًا لظروف كل قضية وملابساتها ومقدار المبلغ المدعى به أو المحكوم به وعدد المدعيين، إلا أن المؤمل من اللجنة الموازنة عند تحديد هذه الأتعاب بين الأتعاب المعقولة والعادلة بالنظر إلى أتعاب التقاضي بشكل عام مع الأخذ بالاعتبار طبيعة هذه القضايا من ناحية وحفظ حقوق أعضاء مجموعة المدعيين من ناحية أخرى. فتحديد أتعاب متدنية قد يثني كثير من المحاميين المتخصصين الأكفاء عن الترافع في الدعاوى الجماعية مما يؤدي إلى ضياع حقوق كثير منالمدعيين، كما أن المبالغة في تقدير الأتعاب قد تزيد من تكلفة التقاضي على المدعيين بلا مبرر.
الأمر الآخر الذي ستواجهه اللجنة هو تأسيس مبدأ أو مبادئ لإثبات المسؤولية، وذلك أنه في دعاوى التعويض في قضايا الأوراق المالية يجب على المدعي إثبات العلاقة بين تصرف الشركة المضلل والتغيير في سعر الورقة المالية، أي أن المدعي يجب أن يثبت للمحكمة أو اللجنة أن التغيير في السعر كان بسبب هذا التصرف المضلل وليس بسبب آخر وأن المستثمر اعتمد على التصرف أو الخبر المضلل عند اتخاذ قراره بالبيع أو الشراء.
من أبرز قضايا الدعاوى الجماعية في سوق الأوراق المالية الأمريكي هي قضية بيسك ضد ليفينسون (Basic Inc. v. Levinson) في 1988 التي أسست فيها المحكمة العليا الأمريكية قاعدة ” الاعتماد ونظرية التضليل في السوق ” – Reliance & Fraud in the Market Theory” ومضمون هذه النظرية باختصار أن القاعدة العامة – قابلة لإثبات العكس من المدعى عليه – هي افتراض أن السعر يتأثر تلقائيًا بالمعلومة أو الخبر المضلل وأن المستثمر اتخذ قراره بالشراء اعتمادًا على ذلك الخبر المضلل، وعليه فلا يقع على المدعي عبء إثبات العلاقة ولا الاعتماد (Reliance) وإنما ينتقل العبء إلى المدعى عليه لنقض هذه الفرضية وإثبات العكس.
وحيث أنه من المعلوم لدى المطلعين أن الكثير من لوائح السوق المالية المحلية استفادت من أنظمة السوق الأمريكية بما يتوافق مع طبيعة السوق المحلية والأنظمة السارية، وهذه الاستفادة بلا شك أدت لتقوية الإطارات القانونية للسوق المحلية نظرًا لتقدم الأسواق الأمريكية وتطورها بحكم عمرها مقارنة بالسوقالمحلية، إلا أن ما ينبغي التنبه له هو التروي عند تبني مثل هذه النظرية “التضليل في السوق” حيث أنها بُنيت وأُسست في سوق متقدم، فالمحكمة العليا أسست هذهالنظرية – وما زالت تخضع للمراجعة في قضايا لاحقة – بناء على نظرية كفاءة الأسواق المالية التي هي باختصار افتراض كفاءة السوق وأن جميع المعلومات الجوهرية متاحة لجميع المستثمرين على حد سواء، وعليه فسعر السهم في السوق يعكس السعر الحقيقي. والسؤال هنا هو هل سوقنا المحلية كفء وفقًاً لنظرية كفاءة الأسواق المالية؟ وعليه يمكن تبني هذه النظرية، أو هل الأفضل تبنّي نظرية مناسبة لسوقنا المحلية وأكثر مواءمة لطبيعتها تضمن حقوق المستثمرين دون الإضرار بالشركات المدرجة بشكل مجحف؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال