الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت قضية التدريس الجامعي باللغة الإنجليزية في كليات إدارة الاعمال بالجامعات السعودية أحد القضايا الساخنة التي برزت خلال العشر سنوات الماضية بتبني العديد من الأقسام العلمية اللغة الإنجليزية كلغة التدريس المعتمدة للمراجع العلمية والشرح والتواصل بين الطلاب والأساتذة.
ولكن وبعد التجربة تراجعت بعض الكليات عن هذا التوجه وعادت إلى التدريس باللغة العربية بقرارات من مجالسها العلمية مما أعاد القضية لنقطة الصفر، لنقاش يدور ما بين مؤيد يستعرض مكاسب التعليم باللغة الإنجليزية ومعارض يشرح صعوبات ذلك.
سريعاً، يجادل المؤيدين للتعليم باللغة الإنجليزية أن لغة المال والاعمال هي الإنجليزية وأبرز مصادر المعرفة بالإنجليزية كذلك مما يعطي المتحدث بها فرص اكبر للتطور والتقدم في المجال المهني. كما ان البرامج وادلة العمل بالمؤسسات المالية وكبرى الشركات باللغة الإنجليزية.
ويرى المؤيدون أن قطاع التعليم الجامعي هو سبب ضعف مخرجاته لعدم جديته في اعتماد اللغة الإنجليزية في التدريس. ولكن معارضي هذا التوجه ينقسمون إلى قسمين، منهم من يؤمن بضرورة الاعتزاز باللغة العربية والحفاظ عليها ومنهم من يرى أن الإنجليزية مهمة وضرورية لكن صعوبة استخدامها في التدريس هو العائق حيث توجد صعوبة في استقطاب أعضاء هيئة تدريس ممن يجد التحدث بالإنجليزية بالإضافة إلى ضعف مستوى طلاب التعليم العام مما يجعل المدخلات الجامعات غير مهيئة لتلقي تعليم كامل باللغة الإنجليزية.
ومن واقع ملاحظة شخصية وتجارب بعض الزملاء، فأن بعض الأستاذة يضطر إلى تسطيح العمق العلمي حتى يستطيع الطلاب رفع تحصيلهم لمحتويات المقرر. وهذه مشكلة خطيرة لان بعض الأقسام العلمية – ومن واقع رأيته – يعتمد التدريس بالإنجليزية ولكن الواقع يكشف أن الطالب لا يستطيع سوى حفظ التمارين والمسائل المعروضة لهم في المحاضرات ثم يتم اختبارهم فيها نفسها. كذلك هذه الأقسام لا تعتمد على الكتب العلمية إنما على شرائح عرض معده مسبقا. وقد نستطيع تفهم – وليس قبول- ذلك فكم من طالب لدنيا لديه القدرة على قراءة أمهات الكتب في المحاسبة المتوسطة مثلا باللغة الإنجليزية.
في المقابل يستشهد مؤيدون التعليم بالإنجليزية بنجاح تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حيث أن خريجوها ومنذ عشرات السنوات يتميزون باللغة والمستوى العلمي العالي. بدورهم يرى المعارضون أن طلاب جامعة الملك فهد يمثلون صفوة طلاب التعليم العام وبالتالي لا يمكن القياس عليهم. وهكذا يستمر النقاش فكل وجهة نظر مؤيدة يقابلها تفنيد منطقي لا يمكن تجاهله.
في الحقيقة دعونا نتفق أن جميع الفريقين يهدف إلى تحقيق النفع لأبناء هذا الوطن الغالي ولكن من زوايا وطرق مختلفة. ولإثراء هذه الاطروحات، أتساءل أيضا عن وجود طريقة أخرى لتحقيق تلك المصلحة العليا ولكن منخارج قاعات الجامعات وتحديدا من خلال تعريب مهنة المحاسبة.
في اعتقادي أن تعريب مهنة المحاسبة هو اختيار يستحق الدراسة والتقييم نظرا لجمعه بين مكاسب مؤيدي التعليم باللغة الإنجليزية وتجاوزه لصعوباتها. بالإضافة إلى أن تكاليف تعريب المهنة تبدو أقل من تكاليف التعليم المحاسبي باللغة الإنجليزية. فجميع البرامج والأدلة لدى مكاتب المحاسبة وأقسام المحاسبة في الشركات والمؤسسات داخل السعودية يمكن ترجمتها للعربية بشكل كامل دون خلل وبتكاليف محدودة غير متكررة، ويبقى استثناء محدود يخص التعاملات الدولية.
هذا التصور لم يحد من تطور تجارة الصين ولا اليابان ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا روسيا حيث أن واقع التجارة داخل هذه الدول العظمى يشير إلى أن اللغة القومية للدولة هي اللغة السائدة وليس الإنجليزية. أما المعرفة المهنية، فالمتابع لمؤسسة المعايير الدولية للتقرير المالي والاتحاد الدولي للمحاسبين يجد تعدد اللغات المستخدمة لمنشورات هذه المؤسسات ويلاحظ سرعة وتزامن صدور هذه المطبوعات مع النسخة الإنجليزية.
ومن أبرز مكاسب هذا الاختيار حل معضلة توطين سوق العمل بفتح المجال لأبنائنا للمنافسة على وظائف هذه المهنة بدون وجود عائق اللغة الذي طالما كان سببا رئيسياً في الجفاء بينهم مع القطاع الخاص الذي هو بدوره أيضا سوف يستفيد من التركيز على توظيف الأفضل علمياً لا لغوياً. وبيانات الحاصلين على زمالة الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين توضح أن نسبة السعوديين الحاصلين على الزمالة تتجاوز 90% مما يشير إلى أن التميز العلمي المحاسبي غير مرتبط بكفاءة اللغة الإنجليزية للمتقدم.
وحيث أن المحاسبة هي العامود الفقري للأعمال، فأن تعريبها سوف يتبعه تعريب لقطاعات مهنية كثيرة بالسوق مما يؤدي توسيع دائرة تأثيره ومنافعه على المجتمع والاقتصاد الوطني ككل. كل ما ذكر أعلاه وهو مجرد تفكير بصوت مكتوب فقط ولم يتم بحث التكاليف والمكاسب من تعريب المهنة بشكل موضوعي شامل. لذا أتوقف هنا لطرح السؤال للمهتمين بقطاع المحاسبة في المملكة، ما هو رأيكم، هل الاجدى تعريب مهنة المحاسبة أم تدريسها باللغة الإنجليزية؟.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال