الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتسابق كثير من الجامعات السعودية للمساهمة بتحويل رؤية المملكة ٢٠٣٠ إلى واقع ملموس. وقد شاركت عدد من الجامعات بمبادرات ترتبط بأهداف التعليم الثمانية في الرؤية. وشاركت جامعة طيبة بفعالية مع برنامج التحول الوطني: حيث ارتبط مبادرتها بالهدف الرابع من أهداف الرؤية الخاصة بالتعليم وهو “رفع الكفاءة المالية لقطاع التعليم”. التحدي الكبير هنا هو كيف يتم تطوير نموذج عمل يستطيع الانتقال بوحدات الجامعة من الاعتماد بشكل كامل على التمويل الحكومي إلى نموذج يعتمد على مصادر تمويل متعددة يخفف الضغط على التمويل الحكومي. وهل بالفعل يمكن لجامعة حكومية سعودية أن تعتمد ولو بشكل جزئي على مصادر دخل أخرى غير التمويل الحكومي؟
للإجابة على هذه التساؤلات سوف أستعرض بعض الجوانب من ميزانية جامعة بن ستيت الحكومية. ومع أن جامعة بن ستيت حكومية وميزانيتها في عام ٢٠١٦ تبلغ حوالي ٥.٨ مليار دولار أمريكي أي قرابة ٢٢ مليار ريال سعودي إلا أن مصادر دخلها متنوعة حيث لا يتجاوز نسبة التمويل الحكومي المباشر ال٦.٤٪ فقط. يأتي بقية الدخل من الخدمات الصحية والمستشفى الجامعي ٣٣.٧٪، والرسوم الدراسية ٣٣.٣٪، والمشاريع البحثية المدعومة ١٣.٦٪، والمشاريع الاستثمارية المباشرة والأوقاف ١٣٪.
ليس هناك شك في أن جامعة بن ستيت استفادت من النظام الأمريكي والذي يسمح للجامعات بأخذ رسوم دراسية من الطلاب ويربط مخرجات البحث العلمي بالسوق، كما أنها استفادت من الثقافة الأمريكية والسوق الحرة، حيث تقوم الجامعة بتقديم الخدمات الصحية برسوم من خلال مستشفى جامعي ومراكز أبحاث طبية، كما أنها تحث أعضاء هيئة التدريس للحصول على تمويل لمشاريعهم البحثية من قطاعات حكومية وخاصة، ولم تغفل بن ستيت الاستثمارات المباشرة من خلال مشاركة القطاع الخاص في بناء الفنادق والملاعب الرياضية والمطاعم وغيرها في الحرم الجامعي، كما تعمل بجد من أجل جلب المزيد من الأوقاف والتبرعات والتي زاد دخلها عام ٢٠١٦ فقط عن ال٢٠٠ مليون دولار.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن نسخ تجربة بن ستيت لأي جامعة سعودية، إلا أنني أعتقد أنه يمكن الإفادة من بعض الجوانب من هذه التجربة ونقل ما يتلاءم منها إلى جامعة طيبة ويمكن تلخيص أهم النقاط التي يمكن الإفادة منها في التالي:
١- رصد وضبط التكاليف للوحدات المختلفة في الجامعة: وتعتبر هذه النقطة من أهم المرتكزات في بناء نموذج عمل مستدام حيث أن رصد التكاليف في كل وحدة داخل الجامعة تساهم في ترشيد الإنفاق ورفع نسبة المحاسبية. هناك تكاليف مباشرة وغير مباشرة لكل وحدة في الجامعة، التكاليف المباشرة مثل الرواتب والمستلزمات التي تستخدم بشكل مباشر في الوحدة، أما التكاليف غير المباشرة فهي مثل تكلفة الإدارات التي تستفيد منها الوحدات المختلفة في الجامعة. من أجل رصد التكاليف غير المباشرة، تعمل جامعة بن ستيت على تقسيم الإدارات والمباني والأدوات التي تستخدمها الوحدات المختلفة بتقدير حجم انتفاعهم منها. مثلاً: بما أن تكلفة مبنى إدارة الجامعة تفيد الوحدات المختلفة في الجامعة فإن تكلفتها تقسم بشكل متساوي على جميع الوحدات.
٢- تأهيل بعض البرامج والخدمات لتحقيق عوائد: وتشمل هذه الخدمات برامج ودبلومات مهنية ترتبط بالأقسام والمراكز العلمية القابلة لتحقيق عوائد مع توفير الحوافز اللازمة لتنافسية هذه البرامج. تمثل الرسوم الدراسية جزءاً مهماً من ميزانية جامعة بن ستيت، وعلى الرغم من أن جامعة طيبة لا يمكنها تقديم جميع برامجها برسوم إلا أنها تستطيع تقديم بعض البرامج والدبلومات المهنية بمقابل مادي. في بن ستيت، لامركزية تصميم وتطوير هذه البرامج وارتباطها مباشرة بالأقسام والمراكز العلمية ساهم بتميزها وتنوعها، على الرغم من مركزية متابعة الحسابات المالية.
٣- تأهيل نظام يبني علاقات بحثية وأكاديمية مع قطاعات حكومية وخاصة: وذلك من أجل الحصول على تمويل للأبحاث وتهيئة الموارد اللازمة لعمل الأبحاث على أن تحصل الجامعة جزء من قيمة الأبحاث نظير توفير البيئة والأدوات المناسبة لعمل الأبحاث. هناك العديد من المعامل العلمية والأدوات البحثية في بن ستيت والتي تساعد الباحثين على أداء أبحاثهم، وتأخذ بن ستيت نظير هذه توفير هذه الموارد قرابة ال٥٨٪ من قيمة الأبحاث المدعومة التي تستفيد من موارد الحرم الجامعي حيث يذهب جزء منها للكلية وجزء آخر للقسم العلمي الذي ينتسب له الباحث وجزء لتغطية تكلفة المساحات والمعامل والأدوات التي يستخدمها الباحث.
٤- تنشيط الاستثمارات المباشرة والأوقاف الخاصة بالجامعة: تمتلك جامعة طيبة عدداً من المزايا الاستثمارية التنافسية التي من الممكن تطويرها والاعتناء بها بما يخدم تطلعات المنطقة التنموية. في بن ستيت، تشمل الاستثمارات المباشرة ملاعب كرة القدم، الفنادق في الحرم الجامعي، المطاعم ومراكز الترفيه الداخلية والتي تخدم منسوبي الجامعة وزوار مدينة ستيت كولج بشكل عام. محدودية الخيارات والاستثمارات في التعليم العام والصحة والخدمات اللوجستية للحجاج والمعتمرين في المدينة المنورة يدعم جامعة طيبة في الإفادة من هذه الصناعات خاصة مع الخبرات والموارد التي تمتلكها الجامعة.
لاشك أن بناء منظومة متكاملة في السعودية للتعليم الجامعي سوف يساهم في دعم تنويع مصادر الدخل ورفع الكفاءة المالية للجامعات؛ لكن جامعة طيبة تسعى للمشاركة الفاعلة والإيجابية في تكوين وبناء هذه المنظومة والتي تساهم بتحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠. وهي بذلك لا تحاول استنساخ تجربة أي جامعة أمريكية أو غربية، بقدر ما تستفيد من التجارب العالمية من أجل تطوير نموذج يناسب بيئة العمل المحلية الخاصة بالجامعة ويساهم في تمكين الجامعة من الاستمرار بأداء مهامها التعليمية التي أنشئت من أجله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال