الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
State of Minnesota vs. Otis Lee Walker بداية المرافعة وعرض الأدلة واستجواب الشهود.
الساعة 11.45 صباحاً ، سمح القاضي بدخول أول شاهد من شهود هيئة الادعاء ، كان أحد الشاهدَين اللذَين سمعا صوت إطلاق الرصاص في الحي واتصل بالطواريء (911) . دخل الشاهد وأدى القسم أمام المعاون القضائي المختص بذلك والذي سبق وأخذ قسم هيئة المحلفين حيث أقسموا على ” أنهم بعيداً عن مصلحة أي شخص، سيبذلون الجهد بإخلاص للوصول للعدالة بين ولاية مينيسوتا (المدعي) وبين المتهم ، وفقاً للقانون والأدلة المقدمة أمام المحكمة” .
مما شدّني هنا ، هو احترام الشاهد من قبل جميع من في القاعة ابتداءً بالقاضي ، أو بالأصح قبل ذلك نظام المحكمة ، فقد خَصَّص للشاهد مكاناً في واجهة القاعة على يسار المعاون القضائي أو الكاتب وكأنه أحد معاوني القاضي ، فوقف الشاهد في مواجهة أطراف الدعوى والجمهور وأيضاً مواجهة هيئة المحلفين. سأله ممثل الادعاء عن عمرٍه و وظيفته وعنوان منزله و منذ متى يسكُن هذا الحي؟
فتلاحظ هنا منذ البداية كيف يحرص المدعي على تقديم أدلته وشهوده بالشكل الذي يجعلها أكثر تأثيراً ومصداقية بل وواقعية ربما ، وكيف أن نظام إدارة جلسات التقاضي – في هذه وفيما سيأتي من تفاصيل- يجري على نسق هاديء و منظم ، يكفل للأطراف الإدلاء بما يرونه مؤثر في حججهم و دفوعهم من غير خشية تعجيل القاضي لهم في سرد ما عندهم أو قلة صبره في سماع تفاصيل يراها غير مؤثرة قبل أن يسمعها فضلاً عن مناقشتها ، لأن جدوله متضخم بجلسات أخرى ، ولأن عسكرياً عند الباب المجاور لفضيلته يقاطعه فيقول : “يا شيخ هذا المتهم عنده تصديق اعتراف فقط و يا ليت تخلصنا يا شيخ نرجّعهم للسجن و نلحق الغداء في البيت”.
فلما التفت القاضي يريد يكمل إملاءه على الكاتب المختص بضبط القضية ، وجده أثراً بعد عين ، فطلبه بالهاتف فجاوبه مدير المكتب أن الكاتب المسكين لديه مراجعة مهمّة في الوزارة فخارج الدوام متأخر عليه منذ عدة أشهر!!
عندها لا أنتظر من فضيلة قاضينا الهدوء والإنصات لطرفي الخصومة حتى يستكملا سرد الحجج و الدفوع ، و لو فعل ذلك وأصغى سمعه لهما لن يلبث إلا أن يرتفع الصوت وتبدأ الجلبة وتتقاطع الدفوع وتشتبك العبارات وربما – في حال ترافع الأصلاء بدون محامين- تطايرت التهم في أرجاء القاعة كلٌ يسوق لصاحبه منها صبرةً بلا عدٍّ و لا كيل ، وجُلُّ ذلك عائد – في تقديري- إلى غياب ما ينظم إدارة جلسات المحاكم والمرافعة تنظيماً دقيقاً يعرف فيه القاضي وكل طرف في الدعوى متى يكون حق الآخرين في الحديث و مدته ، كما يدركون واجبهم في الصمت والإنصات.
نعود من محكمة الرياض مكتب رقم (20) إلى قاعة رقم (1653) بمحكمة مينيسوتا، بعد أداء الشاهد للقسم ، قام المدعي عن الولاية بتشغيل تسجيل مكالمة الشاهد لطواريء (911) ليسمعها الجميع ثم طرح عليه بعض الأسئلة عن المكالمة. ثم طلب من الشاهد أن يشرح على الخريطة -المعروضة أمام هيئة المحلفين والقاضي- موقع منزله والاتجاه الذي صدر منه صوت إطلاق الرصاص. عند ذلك قامت محامية المتهم وسألت الشاهد عما إذا كان شاهد أي شخص يهرب أو إن كان الشاهد بنفسه خرج إلى الشارع ؟ فأجاب بالنفي.
الساعة 12.00 ظهراً، دخل الشاهد الثاني من شهود الادعاء ، وتم استجوابه وتوجيه الأسئلة له كما الشاهد الأول ، لكن هذا الشاهد قال بأنه رأى رجلاً أسمر البشرة يجري هارباً بين البيوت. ثم عمد ممثل الادعاء إلى هيئة المحلفين فأعطاهم نسخة مكتوبة لنص مكالمة هذا الشاهد ، فتدخّل القاضي وقال للمحلفين إن المعتمد هو ما تسمعونه من التسجيل وليس ما تقرؤونه في هذا النص المكتوب ، ثم سمح القاضي للمحلفين بالخروج من القاعة لاستراحة الغداء، وطلب من المحامين ممثلي الطرفين التقدم لنقاش بعض جوانب المرافعة بشكل خاص ، فلما وصلا قريباً من مكتب القاضي المرتفع عن الأرض بما يزيد على متر ، قام بتشغيل مكبر الصوت على نغمة تشويش -غير مزعجة – مهمّتها أن تمنع بقية من في القاعة من سماع نقاش القاضي مع الطرفين.
بعد الغداء وقبل وصول المحلفين ، أشار القاضي إلى أن أحد المحلفين قدّم اعتذاره عن الاستمرار في القضية لأن مستوى لغته الإنجليزية لا يسمح له بفهم تفاصيل ما يدور من استجواب و حوار. ولما وصلت هيئة المحلفين كان هذا المحلّف امرأة من أصول لاتينية ، سألها القاضي عن دراستها وعملها ومستوى لغتها ، فكانت تعمل ممرضة وتحمل الجنسية الأمريكية منذ عدة سنوات لكن مستوى لغتها لا يؤهلها إلى المشاركة في إصدار حكم في قضية كهذه لأنه يفوتها فهم بعض الكلمات ، فأذن لها القاضي بالانسحاب بعد أن شكرها على المشاركة وعلى أمانتها وطلب من طرفي القضية اختيار محلّفاً بديلاً.
الساعة 1:15 ظهراً ، دخل القاعة الشاهد الثالث والذي كان صديقاً للمتهم ، وتم توجيه الأسئلة له من ممثلي الطرفين ، كلٌ يحاول اقتناص ما فيه مصلحة لموكله من هذه الشهادة وإبرازها جليّة أمام هيئة المحلفين. كانت أسئلة محامية المتهم السيدة / يارني ، دقيقة وتفصيلية وكانت قد أحضرت خريطة الحي موضحاً فيها منزل المتهم و منزل الشاهدالثاني الذي اتصل على 911 والشارع الذي يقول بأنه رأى رجلاً يركض فيه هارباً ، وطلبت من الشاهد الإجابة عن أسئلتها باستخدام الخريطة ، محاولة معارضة شهادته لشهادة المتصل ما استطاعت ، وطلبت منه أن يرسم على الخريطة الطريق التي مشى فيها بعد سماعه لإطلاق الرصاص وحتى وصوله لمنزله في آخر الشارع بجوار منزل المتهم.
كنت في هذه الأثناء ألحظ القاضي الذي ليس له دور في النقاش سوى الإشراف و ربما التوجيه إن احتاج الأمر، فرأيته مصغياً بحرص وانتباه طيلة الوقت وكأنه هو من سيتصدى للحكم في القضية ، أما أعضاء هيئة المحلفين فكان اصغاؤهم وتركيزهم في مجريات المرافعة ملفتاً جداً حتى أنك ترى حماساً وحيوية في نظراتهم وكأنهم طلبة في الصف الأول الابتدائي وهذه أول حصة لهم في أول يوم دراسي ، وكأني ببعضهم كان متوجساً من إصدار حكم في قضية قتل وآخر يدخل المحكمة لأول مرة ، أما أصغرهم فكان الفتى العشريني مزهواً لابساً البدلة الرسمية ، ولا أخطيء إن قلت أنه اشتراها بعد اختياره محلفاً في هذه الهيئة.
بعد نهاية المحامية يارني من استجواب الشاهد طلبت إرفاق الخريطة مع مستندات القضية وقرر القاضي موافقته على هذا الطلب.
• استكمال الشهود من الشرطة وخبير أسلحة ووالدة المتهم ، في الحلقة (3/3)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال