الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المحاماة في السعودية غالبًا -وربما في مجتمعات أخرى أيضًا- من المهن التي لا يمكن التنبؤ بما قد تخبؤه الأيام من نتائج لمن يمتهنها. فأيًا كان الدرب الذي يرغب ممارسها في سَلْكِه؛ فمن الوارد دائمًا أن يكون ذلك مقامرة من الصعب تصور نتائجها. إلا أنها ورغم ذلك، الطريق الأكثر جاذبية لمن يحمل شهادة قانون أو شريعة، رغم توفر أعمالًا أخرى يمكن لهم ممارستها.
لا أعلم فيما إذا كانت “فرضية المقامرة” هذه تنطبق على شريك المحامي في العدالة أم لا. إذ أننا نلاحظ بأن كثيرًا من القضاة تسربوا من منصة القضاء إلى مكاتب المحاماة، ويتضح ذلك جليًا من خلال إشارة أحدهم إلى نفسه بأنه “قاضٍ سابق” في مختلف الوسائل المتاحة للإعلان عن خدماته. وقد يكون ذلك رغبةً منه في لفت انتباه العميل وإيصال رسالة غير مباشرة إليه مفادُها أن هذا المكتب يتمتع بخبرة قد لا تجدها لدى المحامي الذي لا يملك تجربة قضائية.
ظاهرة “المحامي حاليًا القاضي سابقًا” لا نستطيع أن نجزم فيما إذا كانت سلبية أم إيجابية، وهل تعتبر شكلاً من أشكال الغزو من قِبَل الدخلاء على مهنة المحاماة مثل المعقبين والوكلاء الشرعيين من غير المحامين أم لا. أما بالنسبة للأسباب، فإن المهتمين يعزون ذلك إلى تدني المردود المالي للقضاة بالنسبة لنظرائهم في المجتمعات الأخرى الذين يتمتعون بدخل عالي. وأيضًا من الأسباب التي تجعل من المحاماة مهنة جاذبة للقاضي هو التميز الذي يحظى به من خلال خبرته الواسعة التي تتيح له فرصة أداء عمل احترافي كمحامٍ، وذلك بسبب إحاطته بكثيرٍ من الحالات القضائية ومخالطته لمختلف المحامين بتباين وسائلهم في المرافعة وأسلوبهم في الكتابة ومذكراتهم وما إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى أن عمل المحامي ليس له سن للتقاعد ويعتبر بحسب معايير معينة عملًا حرًا.
لا أعرف إن كان نزوح القضاة إلى مهنة المحاماة أمرًا صحيًا أم لا، أو فيما اذا كان هذا النزوح لا يعدو كونه رغبات شخصية، أم أنه جرس تنبيه يجدر أن يوقظ من على عاتقه اتخاذ ما يلزم من إجراءات للتنظيم والحفاظ على مرفق القضاء وقطاع المحاماة. رغم عدم توفر دراسات أو إحصائيات تفيد عن مستقبل اقتصاد المهنة وتوقعات العرض والطلب بالنسبة إليها، إلا أنه من المتوقع حدوث “طفرة” بالنسبة لمكاتب المحاماة والخدمات القانونية، خصوصًا مع ازدياد أعداد الخريجين، ودخول العنصر النسائي في هذا المجال، ومزاحمة الدخلاء والمتطفلين، وأخيرًا اجتياح القضاة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال