الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يكثر بين الحين والآخر الحديث عن المرض الهولندي ومدى اصابة الأقتصاد السعودي به. ونظرا لأن أصل المرض الهولندي هو نتيجة لأحد الآثار السلبية على الأقتصاد من اكتشاف الثروات الطبيعية أو ارتفاع أسعارها، يقوم البعض بربط الآثار السلبية لاقتصاد المملكة العربية السعودية أو بعضها بظاهرة المرض الهولندي لارتباط اقتصاد المملكة باحد الثروات الطبيعية والتي هي النفط. وحتى نستطيع تقييم حقيقة هذا الربط يجب علينا فهم هذه الظاهرة وأهم قنواتها المؤثرة على الاقتصاد.
المرض الهولندي هو ظاهرة خاصة ومحددة من آثار لعنة الثروات الطبيعية (Natural Resource Curse)، وهو ظاهرة مرتبطة بالأثر السلبي على الاقتصاد نتيجة ارتفاع سعر صرف العملة المحلية في أسواق الصرف العالمية. حيث أن ارتفاع سعر الصرف هو نتيجة لارتفاع الطلب على عملة الدولة الناتج عن ارتفاع أسعار الثروات الطبيعية (كالنفط) أو اكتشاف ثروات طبيعية بكميات تجارية. هذا الارتفاع في سعر الصرف يؤدي الى ارتفاع اسعار صادرات الدولة الأخرى (كالمنتجات الصناعية) في سوق التجارة العالمية، وارتفاع الأسعار يؤدي بالتالي الى قلة الطلب عليها وتراجع نمو هذه القطاعات أو اضمحلالها، وعليه ارتفاع البطالة وتراجع نمو اقتصاد الدولة ككل.
تقنياً اقتصاد الدولة يصاب بالمرض الهولندي نتيجة مؤثرين:
أولا: مؤثر انتقال الثروات (The Resource Movement Effect)، حيث أن اكتشاف النفط أو ارتفاع اسعاره يؤدي الى ارتفاع أسعار أجور الأيادي العاملة في القطاع النفطي وبالتالي ارتفاع أسعار الأجور في كل القطاعات الأخرى وانتقال العاملين من القطاعات الصناعية وغيرها الى القطاع النفطي. هذا الانتقال يؤدي بالتالي الى تراجع انتاجية هذه القطاعات أو عدم قدرتها على المواصلة لارتفاع تكاليف الاجور.
ثانيا: مؤثر الصرف (The Spending Effect)، حيث أن اكتشاف النفط أو ارتفاع سعره يؤدي الى زيادة دخل الدولة وبالتالي زيادة المعروض من النقد الأجنبي وعليه ارتفاع قيمة صرف العملة المحلية في أسواق صرف العملات. وارتفاع قيمة صرف العملة المحلية يؤدي بالتالي الى انخفاض تنافسية صادرات الدولة في سوق التجارة العالمية.
وعليه عندما ننظر الى اقتصاد المملكة والمعوقات أو التباطؤ التي واجهته ونربطه بظاهرة المرض الهولندي، سوف نهتدي الى الآتي. المملكة لم ولا تملك قطاع صناعي متقدم تستطيع فيه منافسة الدول الأخرى في سوق التجارة العالمية ولا يمثل أيضا قطاعها الصناعي دور بارز في قيادة اقتصادها الكلي. وان امتلكت المملكة بعض الصناعات المتقدمة فهي صناعات أولا مدعومة من أموال النفط وثانيا معتمدة على الأيدي العاملة الأجنبية الرخيصة. فعليه عند اكتشاف النفط لم يكن هناك قطاع صناعي حتى تستطيع أن نقول أن هناك انتقال للثروات من القطاع الصناعي الى القطاع النفطي، وعند ارتفاع اسعار النفط بعد حين لم يؤدي ذلك الى انتقال العامل السعودي من القطاع الصناعي الى القطاع النفطي. ولكن اموال النفط كانت على النقيض هي الدافع الرئيسي في دعم القطاعات الأخرى. وهنا نستنتج ان قناة مؤثر انتقال الثروات (The Resource Movement Effect) لا ينطبق على حالة وتركيبة اقتصاد المملكة.
من الجهة الأخرى عندما واجهت المملكة زيادة في معروض النقد الأجنبي كان يصرف في غالبيته على الواردات الأجنبية بالتالي التأثير غير ملموس على العرض أو الطلب على النقدي المحلي. أما بعد ربط سعر صرف الريال بالدولار فزيادة معروض النقد الأجنبي لن تؤثر على قيمة صرف الريال وبالتالي لا يوجد تأثير على قيمة الصادرات السعودية في سوق التجارة العالمية. وهنا نستنتج أن قناة مؤثر الصرف (The Spending Effect) لا ينطبق على حالة اقتصاد السعودية.
وهنا نستطيع أن نقول أن الثروات الطبيعية كالنفط لها من الايجابيات ولها من السلبيات على أي اقتصاد، ولكن ليست كل سلبية تأتي كنتيجة من هذه الثروات هي تشخيص للمرض الهولندي. اقتصاد المملكة عانى مما لا شك فيه من لعنة الثروات الطبيعية (Natural Resource Curse) ولكنه لم يصاب بالمرض الهولندي أبدا، ولن يصاب به في المستقبل القريب في ظل التركيبة الاقتصادية الحالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال